كما كان متوقعا، حظي تشكيل لجنة وطنية لإعداد مقترح للنشيد الوطني الجديد بجدل واسع، وحتى قبل أن يجف حبر المرسوم الرئاسي المنشئ لهذه اللجنة، انطلقت التعليقات، والتأويلات، وبلغ الجدل مداه على مواقع التواصل الاجتماعي، والملاحظ أن معظم من عارضوا تشكيل هذه اللجنة ينطلقون من موقف مسبق مبدأي برفض تغيير النشيد بغض النظر عن طبيعة اللجنة، وهو موقف يـــُحترم لأصحابه، لكنه لا يلغي حقيقة أن غالبية الموريتانيين يؤيدون تغيير نشيدهم الوطني، والمفارقة التي يتجاهلها البعض أن المطالبة بتغيير النشيد جاءت من أطراف معارضة حاليا، وهي مطالب مطروحة منذ فجر الاستقلال، وليس مقترحا فرضه النظام الحالي، ولعل هذا ما يفسر عدم اعتراض "المنتدى" وتشكيلات المعارضة الأخرى على تشكيل لجنة إعداد مقترح النشيد الوطني الجديد، على الأقل بعد مرور أكثر من 24 ساعة على إعلانها.
وإذا أمعنا النظر في لجنة إعداد مقترح النشيد الوطني نجد أنها لجنة متوازنة بكل المقاييس، وهذا لا يعني أن معايير المحاصصة تم اعتمادها، بل يعني أنه لم يتم إقصاء أي مكون، أو جهة، أو شريحة، أو فئة، فاللجنة – بتشكلتها المعلنة- تضم كل تلك الاعتبارات، ومن يقولون إن جميع أعضائها موالون للنظام، أو من الأغلبية يجانبهم الصواب، فبعض أعضاء اللجنة شخصيات ثقافية لا يـُعرف لها ولاء سياسي مــُعلن، كما أن من بين أعضائها أشخاص ليست لديهم ارتباطات بالسلطة العليا في البلد، ولا يمتلكون "وساطة" أهلتهم لعضوية اللجنة، وهو ما يعني أن الاعتبارات الموضوعية تمت مراعاتها.
وفي خضم هذا الجدل يتجاهل البعض حقيقة أن تغيير النشيد الوطني ليس مثل تعديل الدستور، ولا يمكن للمعارضين هنا الحديث عن حوار وطني شامل، أو "مــُمهدات" للقبول بتغيير العلم الوطني، فتشكيل لجنته من صميم صلاحيات رئيس الجمهورية، كما أن الرئيس الحالي، وحكومته ليست لديهم مصالح شخصية في نشيد بمواصفات محددة، ولا يهمهم جهة، ولا قبيلة، ولا شريحة الشاعر، أو الشعراء الذين ستعتمد نصوصهم في النشيد الوطني الجديد، فالمهم أنهم موريتانيون، والنشيد وطني لكل الموريتانيين.
إن محاولة البعض الاصطياد في الماء العكر، عبر الإيحاء بأن تغيير النشيد الوطني هو استهداف للعلامة باب ولد الشيخ سيديا هو أمر مردود عليه، ولا يقبله المنطق، فنحن أمة تحترم السلف، لكنها تساير العصر، ثم إن النشيد ملك للشعب، وهذه هي المرة الأولى التي يتاح فيها للشعب اختيار نشيده الوطني عبر لجنة وطنية مـُشكلة بمرسوم رئاسي، ولا يعني هذا مطلقا التقليل من شأن النشيد الحالي، ولا من شأنه قائله فذك أمر غير وارد بالمرة.