موريتانيا.. لماذا يختار البعض "العمل السري" رغم فتح باب الحريات على مصراعيه ؟!

على الرغم من أن موريتانيا اليوم تتمتع بمستوى عال من احترام الحريات الفردية، والجماعية، وباتت تتصدر محيطها العربي، والإفريقي في هذا المجال، ورغم وجود 100 حزب سياسي في البلد، وسهولة إنشاء حزب سياسي حتى خلال 24 ساعة، ورغم فتح الإعلام على مصراعيه للجميع ليقول من يشاء ما يشاء، حتى المتطرفون، والعنصريون، والمتآمرون ضد الوطن باتوا ينظمون مؤتمراتهم الصحفية بفنادق انواكشوط، ولا تعترض السلطات طريقهم.

 رغم كل ذلك، إلا أن هناك من أبناء هذا البلد من اختار طريق العمل السري، معتمدا أساليب الحرب بالوكالة، وتجنيد العملاء، وانتهاج أسلوب التخابر، والتآمر، والتعاون مع الأجنبي لتحقيق أجندة سياسية داخل البلد، ولعل المثال الأوضح على ذلك هو الملياردير محمد ولد بوعماتو، الذي فضل – بكامل إرادته- الإقامة في الخارج، وفضل كذلك عدم الانخراط في أي حزب سياسي، أو أي إطار قانوني يمارس من خلاله نشاطه السياسي بطريقة علنية مشروعة،  ومع ذلك يتحدث أنصار ولد بوعماتو عن لجوء السلطات الموريتانية لأساليب السرية، والتجسس ضدهم، متناسين أنهم يستخدمون نفس الأساليب، ولا يمكن التعاطي معهم إلا بالمنطق ذاته، والدليل على لجوء ولد بوعماتو للعمل السري غير القانوني هو أن تحويلاته المالية لأتباعه تمر بطرق ملتوية بعيدا عن الطرق المشروعة، والأهم هو أن أتباعه - حتى لا أقول "عملاءه"- يعملون على الأرض لخدمة مخططاته، ويتلقون الدعم منه، لكنهم في المقابل ينكرون أي علاقة بالرجل !!!.

قبل أكثر من سنة حصلت محاولة انقلاب في تركيا، دامت عدة ساعات فقط، وفور انتهائها قامت السلطات التركية بشن حرب شاملة ضد مئات الآلاف من معارضي نظام الرئيس أردوغان، وتم اعتقال عشرات الآلاف، وطرد الآلاف من وظائهم في دوائر الدولة المدنية، والعسكرية، وتم إغلاق عشرات وسائل الإعلام، وبررت تركيا كل هذه الإجراءات بكون المعنيين متعاونون مع الداعية التركي المعارض المقيم في بنسلفانيا بأمريكا فتح الله غولن، فهل كان ولد بوعماتو يسعى لأن يكون "غولن" موريتانيا ؟؟ ...

أوجه الشبه بين الرجلين قائمة من ناحية اتباع كل منهما أساليب الحرب الناعمة، والتغلغل في مفاصل الدولة، ومحاولة خلق مراكز نفوذ في الداخل، لكن الفرق شاسع بين الرجلين من ناحية قوة التأثير، والحضور الشعبي، فغولن قائد مدرسة فكرية، تنتشر في تركيا منذ عشرات السنين، ولديه أتباع بالملايين، بينما معظم الموريتانيين لا يعرفون من هو محمد ولد بوعماتو، وتنحصر دائرة معارفه في المستفيدين من مؤسساته، ومن تربطهم به علاقات اجتماعية، أو مالية.

 إذا كان ولد بوعماتو – ومن وراءه - يراهنون على عامل  الوقت، ويظنون أن حلول منتصف سنة 2019 سيكون كفيلا بأفول نجم نظام الرئيس ولد عبد العزيز ليخلو لهم وجه موريتانيا، ويعودوا إليها "ليملؤوها عدلا، بعدما مـُلئت جورا"  حسب زعمهم فهم واهمون، بل مخطئون في حساباتهم، وستبدي لهم الأيام ما لم يكونوا يحتسبون، لسبب بسيط وهو أن ولد عبد العزيز يراهن على شعبه، والشعب وحده هو الكفيل، والقادر على تزكية، والدفاع عن النهج السياسي الذي يرتضي، لذلك ينصح البعض ولد بوعماتو، -ومن وراءه- بأن يوفروا الوقت، والمال، فقد انكشفت اللعبة، وباتت أوراقها خارج أيديهم، وقريبا سيصبحون مجرد متفرجين، مفعول بهم، وليسوا فاعلين مؤثرين.

PLG_ITPSOCIALBUTTONS_SUBMITPLG_ITPSOCIALBUTTONS_SUBMITPLG_ITPSOCIALBUTTONS_SUBMITPLG_ITPSOCIALBUTTONS_SUBMITPLG_ITPSOCIALBUTTONS_SUBMITPLG_ITPSOCIALBUTTONS_SUBMITPLG_ITPSOCIALBUTTONS_SUBMITPLG_ITPSOCIALBUTTONS_SUBMIT