حصل موقع (الوسط)على معلومات موثقة، و تفاصيل دقيقة عن أكبر عملية سطو، لأكبر و أقدم بنك خصوصي في موريتانيا (البنك الوطني الموريتاني). شكلت هذه العملية تحديا كبيرا للشرطة الوطنية الموريتانية وقت حدوثها، بسبب طبيعتها، و حساسية و أهمية المسروقات فيها، في وقت كانت الشرطة الوطنية تتهم فيه بالفساد، و ينظر الكثير من المواطنين إلى رجالها بقدر من الدونية، في حين أن أفرادها كانوا و لا يزالون يسهرون على أمن المواطنين، و حماية ممتلكات الأفراد، و ضبط النظام العام. التفاصيل في هذه العملية كما يرويها أحد أبطالها تعود إلى سنة 2006، و بالتحديد يوم عيد الأضحى المبارك، عندما تعرض المقر المركزي للبنك الوطني الموريتاني (BNM) لعملية سطو نوعية، اختفت إثرها عشرات الملايين من الأوقية، و عشرات الآلاف من العملات الصعبة، رغم الحراسة المشددة للبنك، و الرقابة المكثفة، حيث يزيد عدد كاميرات هذا المصرف حينها على أربع و عشرين كاميرة. يقول الراوي " أن المدير الجهوي للأمن الوطني يومها أطلق صفارة الإنذار بسبب خطورة العملية، خاصة أن نوعية المسروقات التي ضمت الحاسوب الخاص للمديرالعام للبنك بما يحويه من الأمور المهمة و الحساسة( أرقام حسابات في الخارج – صفقات البنك- ديونه، الضرائب)، و قام مديرالأمن باستدعاء مكونات الشرطة المختلفة، و مفوضيات انواكشوط، و خاصة الشرطة الفنية التي تدخل هذه العملية في طبيعة اختصاصها، و ذلك لمباشرة مسرح الجريمة، قبل أن يتحرك أي شيء من مكانه". يضيف الراوي " بدأنا التحقيق في ملابسات هذه العملية، و اكتشفنا أنه من بين الأربع و العشرون كاميرة اثنتان فقط التقطتا صورا للمشتبه به، الذي تمكن - فيما يبدو- من أن يتحاشى الأخريات، وغطى بعضهن بقماش، حتى لا يتم تصويره. و اتضح بعد مشاهدة الشريط المسجل، أن اللص تمكن من الولوج إلى جميع الأماكن، و أنه كان يحمل معه عدة كاملة في حقيبة ممتلئة بالمعدات اللازمة لفتح الأبواب و الخزنات، وقد حاول فتح أكبر خزنة في البنك، لكنه لم يتمكن من ذلك، غير أنه حمل معه كلما خف وزنه، و غلى ثمنه، ولم يترك شيئا ثمينا إلا و سرقه، كما كشفت التحريات الأولية أن اللص دخل مكتب المدير العام للبنك و سرق حاسوبه، و مبلغا كبيرا من العملة الصعبة -لم يسرق مثله من قبل في موريتانيا- كان المدير يخفيه، و لم يستطع أن يبلغ عن اختفائه، لأنه لم يكن مسجلا عند البنك المركزي! و بعد معاينة شاملة جمعنا نتائج المعلومات المتعلقة بهذا اللص، و بدأنا عملية بحث و تحر موسعة استمرت عدة أشهر، و رصدنا مبلغا( 200 ألف أوقية ) ،وهو مبلغ معتبر وقتها لكل شخص يدلي بمعلومات عن اللص المطلوب. و أذكر أنه كان معنا المفتش عالي، الذي يشغل اليوم منصب مفوض الشرطة القضائية، و قد قال لي: أن لديه معلومات تفيد بوجود الشخص المطلوب في أكجوجت، و ذهبنا معا إلى مفوضية اكجوجت لاستقصاء المعلومات عنه، لكن بعد يومين من التحريات عدنا أدراجنا، نجر خيبتنا." " و بعد فترة قال لنا أحدهم أنه يوجد صاحب سوابق، يدعى (م) له علاقات واسعة في عالم المجرمين، و يمكن أن يزودنا بمعلومات عن أي مجرم إذا تمكنا من التواصل معه. وكان(م) من أدهى المجرمين، و أخطرهم، فبدأنا بوضع خطة تمكننا من التقرب منه دون أن نثير مخاوفه، و نصبنا شركا عند زوجة صديقه المدعوة (ع)، بعدما عقدنا معها صفقة، تقتضي بأن توصل صورة اللص المطلوب بطريقة ما إلى (م)، فربما يتعرف عليها. و تمكنت (ع) بطريقتها من عرض الصورة أمام (م) قائلة " هذه الصورة عثرت عليها عندما كنت أكنس الفراش، و احتفظت بها، فربما كان أحدكم قد ضيعها" مخاطبة زوجها و(م) خلال جلسة شاي و إدمان ،ولما رآها(م) تعرف على الشخص المطلوب، فأبلغتنا (ع) بذلك. و في الخطوة القادمة (يتابع الراوي) قمنا بتأجير منزل قرب دار أهل (م)، و بطريقتنا أعلمنا أخته بأن أفراد من الشرطة حلوا قريبا منهم، فما كان منها إلا أن اتصلت بأخيها على جناح الشرطة، لتخبره أن الشرطة حلت قريبا من داره، وحذرته مستفسرة ما إذا كان قد قام مؤخرا ببعض أعماله الإجرامية؟ فقال: لا تهمني الشرطة ، و لم أقم بأي عمل يجعلني أخافهم،مؤكدا أنه سيحضر في الحال لتصدق أقواله. و بعد صلاة المغرب حضر إلى أهله، و تعرف علينا و سألنا: عما تبحثون ؟ فقلنا نبحث عن عصابة في الحي، فقال عن أي عصابة تبحثون؟ فقلنا لا يمكن أن نخبرك، فرد يمكنني أن أساعدكم، فقلنا له إذا كنت تريد أن تساعدنا، فيمكن أن تساعدنا في قضية أخرى، أهم لدينا من هذه، فقال و ما هي ؟ قلنا له : لدينا صورة نبحث عن صاحبها، و من دلنا عليه سنعطيه 200 ألف أوقية، قال لنا : ماذا فعل؟ فأجبنا: حاول اغتصاب ابنة رجل أعمال مشهور، وهذا الأخير يصر أن يعزره، و عرضنا له الصورة، فقال هذه الشخص أعرفه، و قد رأيت صورته ليلة ماضية عند (ع)، و لم أكن اعتقد أنه مهم إلى هذه الدرجة. و كرر مرة أخرى هذه الشخص أعرفه جيدا، ولكنني لا أعرف مكان وجوده في الفترة الحالية، غير أنني سأبحث عنه، و عندما أعثر عليه سأوافيكم بذلك. و في الليلة التالية اتصل بي المدعو(م)، و طلبني للحضور إلى "كرفور المعرض"، و عندما وصلت إلى المكان، قال لقد وجدت المعني، ولكن قبل أن أدلكم عليه، عليكم أن تعطوني ضمانات بأنني سأحصل على الجائزة مقابل ذلك. و بعد نقاش تمكنت من إقناعه، و طمأنته بأنه سيحصل على المبلغ، و أن يقودنا إلى مكان المجرم، غير أنه اشترط أن نكون لوحدنا، و كان في ذلك مجازفة كبيرة، وبعد تفكير عميق قررنا أن نخوض المغامرة، وكان بصحبتي أحد أفراد الشرطة في السيارة، و ذهبنا إلى مكان اللص، و أكدت له أن عملية المداهمة سنقوم بها نحن، و أن دوره في هذه العملية ينتهي عندما نقوم بالمداهمة، و أننا سنقيد اللص إذا ما تأكدنا أنه الشخص المطلوب، و حذرته من أي تدخل في العملية حينها ، و أن ذلك قد يعرض حياته للخطر. و في حدود الساعة الثانية فجرا، وصلنا منزلا في الميناء، و طرقنا الباب ففتح لنا اللص الباب و كنت مسلحا، واشتبكت مع اللص و قيدته، و طلبت من الشرطي المرافق أن يقف عند الباب و أن لا يسمح لأحد بالدخول.... يتبع...