يحظى موضوع المؤتمر العام لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية بأهمية استثنائية لدى البعض، وتستعجل بعض الدوائر عقد هذا المؤتمر، ليس باعتباره متوجا لمسار إصلاح الحزب، وتحديث هيئاته، بل باعتباره فرصة هؤلاء للإطاحة برئيس الحزب الأستاذ سيدي محمد ولد محم، بعد أن فشلت كل المحاولات، والشائعات في التخلص من إزعاجه، ولعل هؤلاء يتناسون أن رئاسة الحزب الحاكم - على أهميتها- ليست سوى محطة في مشوار سياسي مع النظام، بدأه الأستاذ ولد محم قبل وصول الرئيس محمد ولد عبد العزيز للسلطة، وهو اليوم - أي ولد محم- أحد الأشخاص القلائل جدا الذين واكبوا ولد عبد العزيز في فترة ما قبل وصوله السلطة سنة 2008، وواصلوا في دعمه دون تردد، واليوم يحتفظ بذات النفس بغض النظر عن طبيعة المنصب الذي يشغله، أو الدور الذي يـُسند إليه من قبل الرئيس ولد عبد العزيز (وزيرا، أو برلمانيا، أو رئيسا للحزب الحاكم).
ولقد ظل ولد محم في صدارة المشهد، والفعل السياسي خلال العشر سنوات الأخير، بغض النظر عن موقعه في السلطة، وهو مطلع على تفاصيل محطات علاقة النظام بالمعارضة، وفاعل فيها، ولعل تكليفه من قبل رئيس الجمهورية باللقاءات السرية مع منتدى المعارضة خير دليل على أن ولد محم رجل المهمات الحساسة، ولا يرتبط تأثيره بمنصب هنا أو هناك، وربما يعتبر ولد محم الشخص الوحيد في نظام الرئيس ولد عبد العزيز الذي تعد له المعارضة ألف حساب، تحترمه، بقدر ما تخشاه، فقدرة الرجل لا تضاهى على التعبير عن مواقف النظام، والدفاع عنها، بلغة تمزج منطقية المحامي، وإقناعه، ببلاغة الخطيب المفوه، ذي التكوين الفكري العالي، وهي صفات لا ينافسه فيها أحد في صفوف الأغلبية، وإن كانت المعارضة تتوفر على شخص من هذا الطراز هو الأستاذ محمد جميل منصور.
ومن يشحذون اليوم سكاكينهم للإجهاز سياسيا على الأستاذ ولد محم، يتجاهلون حقيقة أن تحديد رئيس الحزب الحاكم هو في النهاية قرار بيد رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز، مهما امتلك هذا الطرف أو ذاك من مناديب لدى المؤتمر العام، وكل الخيارات مطروحة على الطاولة، بما فيها تكليف ولد محم بمهمة أخرى خارج الحزب، أو التمديد له على رأس الحزب، وربما لا فرق لدى ولد محم بين الخيارين بعكس ما يتخيل البعض، بيد أن الأكيد أن الرجل سيظل في صدارة المشهد السياسي للنظام في فترة بالغة الدقة والحساسية، ليس فقط لأن ولد محم أكد أكثر من مرة وحسم مستقبله السياسي بتأكيده أنه لن يكون يوما خارج صفوف الحزب الذي أسسه الرئيس ولد عبد العزيز، ولن يستقيل من دعمه، بل لأن وجود شخصية بحجم، وكفاءة، وحنكة ولد محم هو في النهاية مصلحة ملحة للنظام، أكثر أهمية من تلبية رغبات أشخاص همهم الوحيد أن يختفي ولد محم من المشهد، حتى لو أدى ذلك لخسارة النظام.