شكلت الأزمة الحالية بين النظام في موريتانيا، والتيار الإسلامي مفاجأة للمراقبين، فرغم أن الرئيس ولد عبد العزيز دأب - خلال الحملة الانتخابية الأخيرة- على مهاجمة حزب تواصل، ووصفه بالمتطرف، إلا أن أكثر المتشائمين لم يتوقع أن تقدم السلطات على إغلاق مركز تكوين العلماء، وجامعة ابن ياسين اللذين يديرهما العلامة الشيخ محمد الحسن ولد الددو، وهي الخطوات التي توقع البعض أن تكون بداية لتصعيد قد يصل حل حزب تواصل، وإغلاق مؤسسات إعلامية يعتبرها النظام أذرعا للحزب المعارض، لكن مؤشرات على انفراج الأزمة لاحت في الأفق، تدعمها خطوات على الأرض، من بينها التسجيلات "المهادنة" للشيخ الددو، والتي اعتبرها المراقبون تصل حد الاعتذار للرئيس ولد عبد العزيز عن الخطبة المشهورة، وتبعا لذلك سمحت السلطات لأساتذة مركز تكوين العلماء بتنظيم ندوة بمسجد أسامة الملحق بالمركز، والذي يؤمه الشيخ الددو، رغم أن الشرطة في بداية الأزمة منعت أساتذة المركز، وطلابه من مجرد الوقوف أمامه.
خلال هذه الأزمة قفز اسم العلامة الشيخ محمد الحسن الددو ليتصدر عناوين الأخبار، وبدا أن النظام يستهدفه شخصيا، وإن كان يمرر من خلاله رسائل إلى حزب تواصل، من باب "إياك أعني، واسمعي يا جاره"، وقد استغرب المراقبون هذه الخطوات ضد الشيخ الددو، خاصة وأنه كان حتى وقت قريب من أقرب العلماء للرئيس الموريتاني، ومحيطه العائلي الضيق، حتى إن القصر الرئاسي كان يحرص على حضور الشيخ الددو شخصيا لمناسبات الفرح، والترح لدى الأسرة الحاكمة (عقود الزواج، وصلاة الجنازة)، حتى قيل إن الشيخ الددو حصل على أعطيات من العائلة الحاكمة في موريتانيا - لا نؤكد، أو ننفي ذلك-، كما استقبل الشيخ الددو الرئيس ولد عبد العزيز خلال زيارته لقرية أم القرى التابعة لواد الناقه، لذلك كان مفاجئا للمراقبين أن ينقض النظام عليه بهذه الطريقة، ليبقى السؤال مطروحا عن عوامل انفجار الأزمة، وهل هي داخلية صرفة، أم أن لها امتدادات خارج الحدود ؟؟.
يرى أنصار الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز أن الرجل تميز باستقلالية في القرار، ورفض للإملاءات الخارجية حتى من أقوى الدول، لذلك لا يرون الاتهام ببعد خارجي لأزمة إغلاق مركز تكوين العلماء إلا نوعا من تشويش المعارضة، وتحريفها للحقائق، وإقحامها للخارج في كل ما هو داخلي، لكن تزامن هذه الأزمة مع معطيات خارجية جعلت البعض يجزم بأن ولد عبد العزيز أراد مسايرة الحرب السعودية، الإماراتية، المصرية على جماعات الإسلام السياسي، وخاصة الإخوان المسلمون، ويستشهد أصحاب هذا الرأي بأن الخط الهاتفي بين أبو ظبي وانواكشوط بات نشطا مؤخرا، ولقاءات مسؤولي النظام الموريتانيي، والإماراتي تكررت في الآونة الأخيرة، كما أن وزراء في الحكومة الموريتانية حرصوا على الإطلالة من "قنوات" سعودية، وإماراتية للحديث عن خطوات النظام ضد التيار الإسلامي، واختيار المنبر الإعلامي يحمل عادة دلالة سياسية، ومهما يكن، فإن الأزمة تبقى مفتوحة على كل الاحتمالات، ففرص الانفراج لا تقل عن عوامل الانفجار.