محمد ولد بوعماتو، ومحمد زين العابدين ولد الشيخ احمد، اسمان تربعا على عرش المال والأعمال في موريتانيا خلال ربع القرن الأخير، ورغم اشتراك الرجلين في صفة الثراء الفاحش، وتولي كل منهما رئاسة اتحاد أرباب العمال الموريتانيين، إلا أنهما يختلفان جذريا في العديد من المميزات، والصفات، وهو ما سنحاول الوقوف عليه في النقاط التالية، ضمن سلسلة تقارير تسلط الضوء الكاشف على ما سمته مجلة Mondafrique الفرنسية الشهيرة، "ظاهرة زين العابدين.. الرجل الذي سقطت ثروته الهائلة من السماء"- حسب تعبير المجلة الفرنسية- في سلسلة مقالات، وتحقيقات أعدتها المجلة المشهورة، وتناولت سيرة حياة زين العابدين، ومصدر ثرواته الهائلة، وشبكة علاقاته بأشخاص محددين في النظام، على رأسهم الوزير الأول المـُقال يحي ولد حدمين، وهو ما سنعود إليه في الحلقة الثانية من هذه السلسة، حيث سنترجم أجزاء مما كتبته المجلة الفرنسية، والآن نستعرض بعض النقاط التي يختلف فيها محمد ولد بوعماتو جذريا مع زين العابدين ولد الشيخ احمد.
أولا: أن محمد ولد بوعماتو جمع ثروته بشكل منطقي، ومتسلسل، عبر مسيرة ناجحة من الأعمال، صحيح أنه استفاد من نظام ولد الطايع، لكنه كان رجل أعمال موهوبا، واستطاع الحصول على تمثيليات لشركات عالمية رائدة، وجمع ثروته على مدى نحو 30 سنة، ابتداء من سنة 1978، وهو معلم فرنسي، مثقف، بينما زين العابدين الشيخ احمد قفز فجأة من بائع تمور، إلى أغنى أثرياء موريتانيا، في فترة قياسية، لا تكاد تصل عشر سنوات، وتـُعتبر صفقات التراضي، مثل صفقة قصر المؤتمرات "المرابطون" وقدرها 14 مليار أوقية في ثمانية أشهر، تعتبر هذه الصفقات المصدر الأبرز لثروات ولد الشيخ احمد، وقد فاز بالعديد منها.
ثانيا: العلاقات الداخلية، والخاريجة..
يعتبر محمد ولد بوعماتو شخصية معروفة على المستوى الفرنسي، والأوربي، والإفريقي، وحتى العالمي، وهو ما مكنه من مقارعة النظام الموريتاني الحالي، رغم كونه داعما له في وقت سابق، ويلتقي ولد بوعماتو برؤساء وملوك العالم، ولديه علاقات مع أهم رجالات المال، والإعلام، والسياسة حول العالم، وداخليا، اشتهر ولد بوعماتو بعلاقاته الطيبة مع جميع الطيف السياسي الوطني، صحيح أنه كان داعما لنظام ولد الطايع، ومن بعده نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز، وتبرع لحملته الرئاسية بمبالغ وصلت المليارات من الأوقية، لكن ولد بوعماتو كان كذلك على علاقة طيبة مع جميع أطياف المعارضة، ودفع المال الوفير لمسعود ولد بلخير، وأحمد ولد داداه، وغيرهما من زعماء المعارضة، وهو ما اعترفوا به علنا في لقاءات صحفية، وفي المقابل يعتبر زين العابدين الشيخ احمد شخصية انطوائية، يكره الظهور الإعلامي، ويتقوقع على نفسه، ولا يظهر إلا في أنشطة محددة بتكليف من النظام، وعلاقاته محدودة جدا في أوساط الأغلبية، أما المعارضة فلا صلة له بها، بل يعتبرونه رمزا من رموز الثراء السريع المثير للشبهات، وعلى الصعيد الخارجي، لا تـُعرف علاقات تذكر لزين العابدين مع الأوساط المالية الدولية، أو السياسية.
ثالثا: الحاضر، والمستقبل..
حاليا، يعتبر محمد ولد بوعماتو رجل أعمال مطاردا من السلطات في بلده، وصدرت بحقه مذكرة اعتقال، ألغاها البوليس الدولي "انتربول"، وشهدت شركاته، وممتلكاته في موريتانيا تضييقا، وقام هو بسحب الكثير من أمواله ليستثمرها في الخارج، وقد حاول ولد بوعماتو التدخل في الشأن السياسي في بلده، عبر دعم جهات معارضة، لكن محاولاته انكشفت، وباءت بالفشل، ليبقى في منفاه الاختياري، في انتظار توفر ظروف داخلية هو أدرى بها، أما زين العابدين فهو اليوم يتفيأ ظلال النظام، ويتربع على رئاسة اتحاد أرباب العمال الموريتانيين، بعد انتخابات مطعون في شرعيتها، بعد أن اعتذر رجل الأعمال إسلم ولد تاج الدين عن ذلك المنصب، ليقع اختيار النظام على زين العابدين، لكن مصادر مقربة من ولد الشيخ احمد لا تخفي خشيته من مصير أسوأ من مصير ولد بوعماتو بعد ترك الرئيس محمد ولد عبد العزيز للسلطة، أو حتى في ظل استمرار النظام الحالي، فقد يلقى زين العابدين مصيرا مشابها لمصير رجل الأعمال "الصحراوي" الذي تمتع بنفوذ، وحـُظوة كبيرين لدى النظام، ثم ستثحب البساط من تحت أقدامه، ليـُترك في مواجهة شبح الإفلاس، ومصادرة أمواله من طرف دائنيه.
ورغم ما يدعيه مقربون من زين العابدين من علاقاته بالرئيس محمد ولد عبد العزيز شخصيا، وحمايته له، إلا أن ولد عبد العزيز بنا شعبيته على مكافحة الفساد، وإرساء مبدأ تكافؤ الفرص بين أبناء الوطن، وأكد ولد عبد العزيز في أكثر من خرجة إعلامية أنه ليست لديه علاقات مع أي من مقربيه الاجتماعيين، أو داعميه السياسيين، وكلما يـُقال في هذا الصدد يبقى في ظل استغلال النفوذ.
يتواصل...