إن تاريخنا الوطني حافل بقيم التماسك، والتلاحم، والتعاضد، وثقافة التآخي، والتكافل والتعاون المستمدة من تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف، النغرسة في وجدان شعبنا الذي تمتع بخصوصية سوسيولوجية فريدة من نوعها في المنطقة انبثقت من رحم التلاقي بين ثراء البعد الإفريقي، والعمق العربي، وظلت تتعزز عبر الحقب، والعصور، عصية على كل دعوات التفرقة، وخطابات الكراهية، والتمييز، بكل أشكالها.
ومن هذه الثوابت، والمنطلقات الراسخة استقى فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز رؤيته لتعزيز الوحدة الوطنية، وتجسيد التناغم الاجتماعي بين مختلف المكونات الوطنية، وهو ما تحقق بالفعل وعشناه واقا ملموسا خلال العشرية الأخيرة على كل المستويات، إصلاحات دستورية، وقوانين تشريعية، وسياسات حكومية كان لها الأثر العميق في تعزيز حقوق الإنسان الذي يعتبر مرتكزا ومرجعا، ومؤشرا على نجاعة كل السياسات الحكومية، بل يمكن اعتباره أهم المؤشرات، وأكثرها مصداقية على الإطلاق في تقييم التحول الديمقراطي، فكلما كانت المنظومة الحقوقية تكفل الحرية وتعترف بالتعدد اللغوي، والعرقي والثقافي، وتكرس قيم الاختلاف وتوفر آليات تسييره، وتدبيره، وتطبق بشكل صارم، وعام المستويات والعدالة بين أفرادها، كلما دلت تلك المعطيات على وجود إرادة سياسية صادقة وقوية وجادة تؤمن بهذه القيم، وتسعى جادة لتطبيقها لذاتها، بدل اعتبارها وسيلة للاستمرار في الحكم، ولعل هذا ما يعكس بشكل واضح وصريح تميز المناخ الديمقراطي الذي عشناه خلال العشرية الماضية، حيث راكمت بلادنا في مجال حقوق الإنسان، والوحدة الوطنية إنجازات لامست مختلف مناحي الحياة بالنسبة للمواطن الموريتاني، فعلى مستوى سن القوانين، وتطويرها، وتطبيقها على أرض الواقع تمت دسترة الحريات العامة، والحقوق الأساسية، وضمان كرامة الإنسان، والحق في الحياة والسلامة البدنية، ومناهضة التعذيب والاعتقال التعسفي والاختفاء القسري، وحرية التنقل والتعبير، والمساواة بين المواطنين، والتضامن الاقتصادي والاجتماعي والحق في المشاركة السياسية، وفي الحصول على الخدمات الإدارية، وأنشئت المحاكم المختصة في بمكافحة آثار الاسترقاق، ونص الدستور على أن الاسترقاق جريمة ضد الإنسانية غير قابلة للتقادم، وأقر معاقبة جرائم الاسترقاق والتعذيب بوصفها جرائم ضد الإنسانية.
وفي مجال الحريات العامة، وفي إطار سياسة شاملة، وواضحة لترسيخ، وتعميق الممارسة الديمقراطية، وتكريسا لحقوق الإنسان الموريتاني الأساسية، ولا سيما حقه في ممارسة حرية التعبير وحرية الصحافة، المكرسين في المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تم تحرير الفضاء السمعي البصري بموجب القانون 2010/045، حيث حرر لأول مرة في تاريخ البلد الفضاء السمعي البصري، وجعل - على غير العادة- حرية التعبير هي الأصل، إذ نصت الفقرة الأخيرة من المادة 3 على أن "كل التباس، أو غموض في النص يجب أن يزول لصالح حرية التعبير".
وعلى خلفية تنامي خطابات الكراهية، والتحريض على العنف ينبغي أن تعبر كل الأطياف اليوم من خلال المسيرة المنتظرة عن تطلعها لمستقبل واعد، ومشترك لكل الموريتانيين بلا استثناء، لا مكان فيه للخطابات الشرائحية الضيقة، ولا للدعوات العنصرية البغيضة، ولا للولاءات القبلية والجهوية المعيقة، ونعلن بصوت واحد رفضنا المطلق لكل ما من شأنه أن ينال من قيمنا وثوابتنا، وندعو إلى تمكين القيم المدنية الحضارية، وتكريس مفهوم المواطنة المنبثقة من ثقافتنا ، وديننا الحنيف، والمؤسسة على الحكمة والسلم، سعيا للوصول إلى توطيد وحدتنا وتحصين مجتمعنا من آثار دعاة التشرذم، والفتنة.
ش.م.ف.م