منذ انطلاق ما يسمى "المسلسل الديمقراطي" في موريتانيا مطلع تسعينيات القرن الماضي، لم تشهد البلاد مستوى من الإجماع السياسي كالذي عاشته غداة انتخاب رئيس الجمهورية الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني، الذي جعل من أبرز سمات حكمه انتهاج سياسية اليد الممدودة للجميع، بل وإشراك الأحزاب السياسية - معارضة، وموالية- في قضايا تعتبر من صميم اختصاص الحكومة، والتشاور مع الجميع، ولعل ولد الشيخ الغزواني الرئيس الوحيد الذي دخل في عهده الجميع القصر الرئاسي، وأكثر من ذلك حرص ولد الشيخ الغزواني على توطيد العلاقة الشخصية مع معارضي الأنظمة السابقة، عبر تعزية من حقه التعزية، ومنح قدر كبير من الاعتبار المعنوي لشخصيات معارضة ظلت الأنظمة السابقة تضعها على الهامش.
وفي المقابل، رحبت المعارضة بنهج الانفتاح غير المسبوق الذي بدأ به الرئيس ولد الشيخ الغزواني عهدته الرئاسية، وللمرة الأولى شاهد الجميع شخصيات معارضة تشيد بقرارات اتخذها الرئيس، ومواقف عبر عنها، وأبدت المعارضة استعدادها لمسايرة النظام ومباركة سياساته، وهو ما خلق جوا من الإجماع السياسي لا عهد للمشهد السياسي الموريتاني به، رغم بعض التوجس الذي أبداه بعض المعارضين على شخص رئيس الجمهورية ولد الشيخ الغزواني، باعتباره امتدادا طبيعيا لنظام الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز.
وبعد مرور عشرة أشهر بالتمام والكمال، بدأ المراقبون يلحظون بوادر تململ من جهات معارضة، وتصريحات ومواقف لا تخطؤها العين تنتقد النظام تصريحا أو تلميحا، ليصبح الأمر أكثر جلاء بعد بيانات لحزب تواصل عبر فيها صراحة عن خيبته من عدم تحقيق تقدم يذكر في حل مشاكل المواطنين ومكافحة الفساد، وفشل النظام في إدارة أزمة وباء كورونا - حسب الحزب- ليرد حزب الاتحاد من أجل الجمهورية ببيان "إنشائي" بلغة اعتبرها البعض أقرب إلى القاموس الأدبي منها إلى السياسي، وحمل بيان الحزب الحاكم عبارات قاسية وأوصاف سلبية ضد "بعض المعارضين" متهما إياهم بإفساد جو الإجماع الوطني السياسي، فبدأت بذلك مرحلة ضبابية من المعلاقة بين النظام والمعارضة، حيث يرى مراقبون أن شهر العسل بين الطرفين انتهى حتى قبل أن يكمل النظام عامه الأول، وسط دعوات من البعض لمنح النظام مزيدا من الوقت، خاصة وأن أزمات طارئة باغتته وشغلته عن تطبيقه البرنامج الانتخابي، في حين يرى بعض المعارضين أنه ليس بعد السنة إلا الأكل، وأن النظام لم يظهر بوادر واضحة لجهة قطيعته مع سياسات سلفه، وذاك وحده سبب كاف -براي هؤلاء- لاستئناف "النضال" ضده، وتشير المعطيات الحالية إلى أن أي تصعيد من المعارضة في وجه النظام في ظل هذا الظرف سيؤدي إلى -على الأرجح- إلى انفراط عقد المعارضة، وإحداث شرخ في صفوفها، وهي التي مزقتها الخلافات سابقا، وتبادل الاتهامات بالتخوين.