تعتبر القضية الفلسطينة مركزية بالنسبة للشعب الموريتاني بمختلف فئاته وأعراقه، وعندما يتعلق الأمر بدعم فلسطين والتنديد بالاحتلال الإسرائيلي يتجاوز الموريتانيون خلالفاتهم السياسية ويتوحدوا، تماما كما حصل في مسيرة الأربعاء 19 مايو 2021 التي انصهرت فيها كل القوى السياسية والمجتمعية في جهد جماعي قل نظره في الساحة الطنية، وكذلك مسيرات ووقفات شهدتها مدن موريتانية للغرض ذاته.
بيد أن هذا الإجماع الوطني حول دعم فلسطين لم يمنع من بروز تساؤلات مـُلحة فرضت نفسها على النقاش، فبعد مبادرة الرباط الوطني لمناهضة الاختراق الصهيوني إلى إطلاق حملة تبرع لصالح غزة، وقيام حزب الاتحاد من أجل الجمهورية بالخطوة ذاتها لاحقا، وحرص المنابر الإعلامية للطرفين على "التباهي" بحجم التبرعات، ومسارعة رجال أعمال محسوبون على النظام إلى التبرع بمبالغ معتبرة بالملايين، فرضت الأسئلة التالية نفسها على وسائل التواصل الاجتماعي، ومنابر السياسة والإعلام في البلد:
لماذا اكتشف الجميع في موريتانيا هذه المرة أهمية دعم فلسطين ووحشية الاحتلال الإسرائيلي، صحيح أن القضية ظلت دائما حاضرة، لكن السؤال عن حجم الزخم غير المسبوق هذه المرة؟، وهل هناك ضمانات حقيقية لوصول التبرعات فعلا إلى مستحقيها في مدينة غزة المحاصرة، في ظل تجارب سابقة انتهت بمصادرة إسرائيل للتبرعات، أو إتلافها بهجوم مباشر - كما حصل مع سفينة مرمره التركية الشهيرة-؟، وهل من الأولى - من الناحية الشرعية والإنسانية- التبرع لفلسطين، أم لعشرات آلاف الأسر التي لا تجد قوت يومها وتئن تحت فقر وبؤس أشد وأفظع مما هو في مدينة غزة، من باب " الأقربون أولى بالمعروف"؟؟. ولماذا يبرر البعض صرف الملايين من هذه التبرعات في تنظيم المسيرة طالما أن الجميع متطوعون، فمن هي تلك الجهات التي ستستلم الملايين مقابل مشاركتها بأي شكل في مسيرة تضامنية مع فلسطينن ولماذا لا يتم كشفها علنا من باب الشفافية؟؟.
أسئلة قد يكون مجرد إثارتها سببا لانتعاض البعض، بل قد يتمترس آخرون خلف "قدسية" قضية فلسطين ليتهم من يثير هذه الأسئلة بالتولي يوم الزحف، والتخلف عن الركب، ومع ذلك فإن من يتابع مواقع التواصل الاجتماعي -التي تعكس نبض الشارع- يكتشف بسهولة توجسا عاما من هذا الحراك، الذي لا جدال في نـُبل هدفه، وسلامة مقصده، ومشروعية قيامه، لينتهي النقاش إلى رأيين اثنين: الأول يرى أنها هبة وطنية غير مسبوقة لدعم فلسطين، دون الدخول في التفاصيل، ومن يذهب إلى حد اعتبارها "مكاء وتصدية" ومحاولة لملء فراغ الساحة السياسية وشغل ساحة جامع ابن عباس من جديد بعد شهور طويلة من الركود والفراغ.