شكل خطاب الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز في مدينة النعمه يوم الثالث من مايو 2016 مرحلة فاصلة في الحياة السياسية في موريتانيا، إذ أعلن حينها عن إلغاء مجلس الشيوخ(الغرفة الأولى في البرلمان)، وإنشاء المجالس الجهوية بدلا منه، وذلك عبر استفتاء شعبي سينظم بعد ذلك سنة 2017 وكان ولد عبد العزيز مصرا على تمرير هذه التعديلات الدستورية الأهم في تاريخ البلد منذ تأسيس الديمقراطية، وقوبل هذا الإعلان بترحيب، وفتور، وتشكيك، ورفض.. فأنصار ولد عبد العزيز سارعوا للترحيب بهذا التوجه، معتبرين أن المجالس الجهوية ستكون رافعة للتنمية المحلية، وتخلق نوعا من اللا مركزية ستساهم في توزيع أشل وأعدل للثروة والخدمات العمومية، واعتبر هؤلاء أن مجلس الشيوخ بمثابة "زائدة دودية" ويجب التخلص منه، وفي المقابل شكك البعض في جدوى هذه الفكرة ومدى ملاءمة المجالس الجهوية للبيئة السياسية والمجتمعية الموريتانية، بينما انبرى آخرون علنا لرفض هذا التعديل الدستوري، معتبرين إياه مجرد سعي من ولد عبد العزيز للتخلص من مجلس الشيوخ.
وهكذا، وُلدت المجالس الجهوية بعد مخاض عسير، وشابها ضعف لازمها حتى بعد انتهاء الإجراءات الدستورية والقانونية لاعتمادها، فشبح التشكيك في شرعيتها لا يزال ماثلا، ويمكن القول إن المجالس الجهوية لم تر النور عمليا على أرض الواقع، فميزانياتها لا تزال مـُجمدة ويشكوا موظفوها من حرمانهم من السيولة المالية اللازمة للتحرك، كما يشكون من تداخل الصلاحيات مع قطاعات حكومية متعددة، رغم ما سـُن من قوانين لضبط ذلك، ورغم أن رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني استقبل رؤساء المجالس الجهوية وثمن دورهم وتعهد بالتمكين لهم، إلا أن هذه المجالس لا تزال بمثابة السيارة التي خرجت للتو من المصنع لكنها لم تـُزود بالبنزين اللازم لتشغيلها، وبقيت واقفة في مكانها رغم جاهزيتها التامة -نظريا- للتشغيل.
"""""""""""""""""""""""""""