الحوار السياسي، طريق لحل الخلافات، أم عامل لتفجير الأزمات؟(تحليل خاص)

الحوار السياسي.. لعله المصطلح الأكثر تداولا في الحقل السياسي في موريتانيا خلال العقدين الأخيرين، فمنذ الإطاحة بالرئيس معاوية  ولد سيد احمد الطايع، تفتقت عبقرية النخبة السياسية والعسكرية عن مصطلح الحوار، وأخذ تسميات متعددة، والمضمون واحد، من الأيام التشاورية، إلى الحوار الوطني، واليوم "يتحور" المصطلح ليصبح "التشاور" بدل الحوار، ورغم تعدد جولات هذا الحوار، وتنوع المشاركين فيه، والمقاطعين له، إلا أن معظم القضايا التي تشكل جدول أعماله لا تزال كما هي دون تغيير يذكر، والمشاكل الكبرى لا تزال تراوح مكانها، لتشكل موضوعا لحوار وطني متجدد...وهكذا.

يلاحظ المراقبون أن نُسخ الحوار السياسي تكون دائما الأولى منها أفضل من اللاحقة، من حيث النتائج والمخرجات، فالأيام التشاورية التي أعقبت الانقلاب على ولد الطايع تمخض عنها حسم قضايا دستورية مهمة، تتعلق بحصر مأمورية رئيس الجمهورية في عشر سنوات، وتحصين ذلك دستوريا، فضلا عن قضايا أخرى أجمع المشاركون في ذلك الحوار عليها وبقيت صامدة رغم تبدل الأنظمة بعد ذلك، بينما طبعات الحوار التي أعقبت ذلك، انطلاقا من حوار داكار إلى يومنا هذا، ظلت حوارات متشنجة، تثير أحيانا من الأسئلة أكثر مما تقدم من إجابات، وتخلق من المشاكل أكثر مما تقدم من حلول، بل وتكون في بعض الأحيان مجرد وسيلة لإلهاء الطبقة السياسية، أو غطاء لتمرير قرارات يريد النظام إضفاء صبغة الإجماع عليها.

بيد أن الأخطر في الأمر، هو أن الحوار السياسي بات مطية يمتطيها كل حزب سياسي، أو شخصية تريد حجز مكان في الخارطة السياسية، فتعمد إلى ركوب موجة القضايا الوطنية الكبرى(الوحدة الوطنية، محاربة الاسترقاق، التهميش والإقصاء، مكافحة الفساد، المشاكل المعيشية للمواطنين، العدالة والمساواة..) وكأن رفع الصوت بهذه القضايا من قبل أي حزب أو شخصية سياسية كفيل بأن يحرك مشاعر المواطنين، ويجعل أي نظام ترتعد فرائصه فيذعن لحوار سياسي جديد، يتمخض عنه حصول ذلك الحزب أو تلك الشخصية على جزء من كعكة الحُكم وحظوة السلطة، في انتظار حوار جديد..

كل هذه العوامل، جعلت موضوع الحوار السياسي في موريتانيا مثيرا للجدل، فحتى تسميته (حوار، أم تشاور) محل خلاف، وأجندته مثار جدل لا ينتهي، ونتائجه يكاد الإجماع عليها يكون مستحيلا، هذا فضلا عن جدلية المشاركة والمقاطعة، واليوم تعيش البلاد وضعا سياسيا ودستوريا طبيعيا، برئيس منتخب في الشوط الأول، لم تنتصف مأموريته الأولى، وبرلمان منتخب لا يزال أمامه أكثر من ثلث مأموريته، وأجواء سياسية يطبعها الانفتاح والتشاور وتنبذ الإقصاء والتضييق، ومع ذلك يصر البعض على أن البلد لم يكن يوما في أزمة أشد من التي يعيشها اليوم!!! ويمهد لذلك، ويستدل بأن حزبه لم يُشرك في الحكومة، ما يؤكد الخلاصة السابقة بأن الحوار بات وسيلة لحصد جزء من كعكة السلطة، عن طريق ابتزاز النظام الحاكم.

ونتيجة لما سبق، بات معظم المواطنين لا يعلقون كبير أمل على أي حوار سياسي، بعد أن أصبح حدثا روتينيا، يتجدد برغبة من النظام، أو سعي من المعارضة، أوحتى بغضبة من زعيم سياسي، قرر فجأة أن يرفع السقف عاليا لتحقيق أكبر مكسب، وتبقى هموم المواطن البسيط، وقضايا الوطن الكبرى مادة لسجال سياسي بين طبقة خبرت بعضها بعضا جيدا، وتعرف كيف تحقق مصالحها الشخصية، وأنظمة متعاقبة اكتشفت المفعول السحري للحوار السياسي في تخدير الساحة السياسية، لتمرير الوقت وتبرير القرارات.

 

 

 

PLG_ITPSOCIALBUTTONS_SUBMITPLG_ITPSOCIALBUTTONS_SUBMITPLG_ITPSOCIALBUTTONS_SUBMITPLG_ITPSOCIALBUTTONS_SUBMITPLG_ITPSOCIALBUTTONS_SUBMITPLG_ITPSOCIALBUTTONS_SUBMITPLG_ITPSOCIALBUTTONS_SUBMITPLG_ITPSOCIALBUTTONS_SUBMIT