وسائل التواصل الاجتماعي تساعد الطغاة.. وليس فقط المعارضين(تقرير)

منذ بداياته الرائعة، والربيع العربي سلك مسارًا مألوفًا لجميع الباحثين في قضايا الديمقراطية: من الأمل إلى الشك ثم إلى خيبة الأمل. دور وسائل التواصل الاجتماعي كوسيلة لتعزيز الديمقراطية، التي جاءت في مقدمة الربيع العربي، اتبعت مسارًا مؤلمًا ومماثلًا. في البداية، تم الترحيب بوسائل التواصل الاجتماعي باعتبارها حلًا ديمقراطيًا سحريًا، ولكن، في الوقت نفسه، بدأ يُنظر إليها باعتبارها نعمة ونقمة -أداة يمكن أن تكون مفيدة ومع ذلك يمكن حظرها وتهميشها من قِبل الطغاة. وتشير أحدث الأبحاث أنه في بعض الحالات، قد تساعد وسائل التواصل الاجتماعي الطغاة، طالما يضعون حواجز كافية للآراء المعارضة لهم.

 

ولكن ما هي الآليات الفعلية التي من خلالها يمكن للطغاة تقويض وسائل التواصل الاجتماعي لصالحهم؟ في مقال نشر مؤخرًا، قمتُ بتوثيق اختيار وسائل التواصل الاجتماعي من قِبل الحكومات في روسيا، والصين، والشرق الأوسط، ووجدت أربع طرق مختلفة بدؤوا من خلالها استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لإطالة فترة حُكمهم. هذه الأساليب تتجاوز الرقابة البسيطة التي يمنع الحُكّام من خلالها تدفق المعلومات. وبدلًا من ذلك، يتزايد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لتعزيز استقرار وقوة النظام، وتحوّله من عقبة أمام الحكومة إلى أداة أخرى محتملة لمرونة النظام.

أولاً، وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت وسيلة آمنة ورخيصة نسبيًا للحُكّام لاكتشاف الشكاوى الخاصة والتفضيلات السياسة لشعوبهم. هذه المعلومات قيّمة للغاية ولكن عادة ما تظل سرية -غياب حرية التعبير وقمع المعارضة علانيةً يعني افتقار الطغاة في كثير من الأحيان إلى فكرة واضحة عمّا يفكر فيه المواطنون. ولأن الشعوب في الأنظمة الاستبدادية تميل إلى تزييف وجهات نظرهم الخاصة، فإن الحُكّام في كثير من الأحيان لا يمكن أن يتوقعوا اللحظات التي تتحول فيها المآسي الصامتة إلى احتجاجات صاخبة. (وقال تيمور كوران إن هذا كان أحد الأسباب في أن الطغاة في أوروبا الشرقية تفاجؤوا بالثورات التي اجتاحت المنطقة في عام 1989). وقال الرئيس الصيني، هو جين تاو، لصحيفة الشعب اليومية الصينية، أن الإنترنت “قناة هامة بالنسبة لنا، وعلينا أن ندرك اهتمامات الجمهور وأن نتلقى الحكمة من الشعب“. ولاحظ زعيم المعارضة الروسي، أليكسي نافالني، أن نظام بوتين يستخدم الإنترنت باعتباره “مجموعة نقاش مركزة” لمعرفة اهتمامات ورغبات المواطنين الروس العاديين. وبهذه الطريقة، تسمح وسائل التواصل الاجتماعي للطغاة بالحصول على رؤية أكثر وضوحًا من آراء الشعب الحقيقية -وبالتالي توقع الاضطرابات المحتملة- دون التطفل وفتح ساحة أكبر من الأفكار.

ثانيًا، وسائل التواصل الاجتماعي هي وسيلة يمكن الاعتماد عليها لقياس فعّالية المسؤولين المحليين، الذين غالبًا ما يكونون غير خاضعين للمساءلة في الجهات التي يمثلونها. وفي ظل عملهم من خلال مؤسسات غامضة وبيزنطية، فإن الحكومة المركزية في كثير من الأحيان لا تعرف إلا القليل عن كفاءة وشعبية ممثليها المحليين، الذين لديهم كل الأسباب للكذب بشأن أدائهم. وفي غياب حرية التعبير وإجراء انتخابات حرة، يمكن لهذه النخب المحلية أن تحكم بحصانة نسبية، وتخلق احتمالات لوجود الفساد والسخط المحلي الذي يقوّض شرعية النظام بأكمله. ومن خلال السماح للمواطنين بالانتباه إلى المشاكل المحلية، توفر وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة لمساءلة هؤلاء المسؤولين، سواء من الجمهور أو من ورؤسائهم. وبدوره، يعمل تضييق الخناق على الفساد المحلي على جعل الحكومة المركزية أكثر استجابة، ويزيد من فعّاليتها وشرعيتها. وجادلت شياو تشيانغ، صاحبة مدونة “تشاينا ديجيتال تايمز -China Digital Times”، بأن الغضب على وسائل التواصل الاجتماعي في بعض الأحيان يكون هو النافذة الوحيدة لمسؤولي حزب ما إلى للحصول على ردود فعل صادقة حول الموالين لهم.

ثالثًا، توفر وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة فعّالة للوصول إلى أنصار النظام. ومثلما يستخدم قادة المُعارضة وسائل التواصل الاجتماعي لحشد المتظاهرين، يمكن أن تستخدمها الأنظمة لتنظيم وحشد حلفائهم المحليين -النخب العسكرية ورجال الأعمال، والمواطنين العاديين بدافع الوطنية أو الأيديولوجية. وجود أنظمة قائمة دون أن يكون لها شرعية عامة؛ أو دعم محلي للحكومة في روسيا أو الصين، على سبيل المثال، ليس مجرد شيء مصطنع ووهمية من القمع، ولكن يعكس شعبية حقيقية مستمدة من الأداء الاقتصادي، والقومية، أو الأيديولوجية المعادية للغرب. يمكن للقادة في مثل هذه الأنظمة الاعتماد على الشبكات الاجتماعية لتعزيز الاتصالات مع هؤلاء المؤيدين. وقال بوتين في عام 2011: “إذا كانت السُلطات لا تحب ما يحدث عبر شبكة الإنترنت، فهناك طريقة واحدة للمقاومة“، وأشار إلى أن الإنترنت ينبغي أن يُستخدم كمصدر “لجمع كمية أكبر من المؤيدين”.

وفي النهاية، توفر وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة مريحة لتشكيل ملامح الخطاب العام لدى الجمهور بوجه عام دون أي قيود. ولطالما استخدمت الحكومات وسائل الإعلام -الصحف والراديو والتلفزيون- لنشر دعاية مؤيدة للنظام. وسائل التواصل الاجتماعي، مع ذلك، لديها فائدة إضافية تتمثل في كونها لامركزية بطبيعتها، وتفاعلية، وغير هرمية، وبالتالي يمكنها تجنب ظهور أساليب الخداع بسهولة. ويمكن أن يستخدمها الحُكّام الحاليون في نشر الدعاية بطريقة أكثر كفاءة، وتشكيل الخطاب عبر الإنترنت بطريقة أكثر دقة ودهاءً. قبل عامين، على سبيل المثال، تم إنشاء حركة “متصيّدو الإنترنت”، في إحدى ضواحي مدينة سان بطرسبرج، مع ارتباطات واضحة بمجموعة من الشباب برعاية الكرملين. ومن المتوقع أن ينشر المسؤولون فيها ما يقرب من 100 منشور يوميًا، وإلقاء جام غضبهم على الغرب وزعماء المُعارضة الروسية، وعلى الجانب الآخر تمجيد الثقافة الروسية والزعماء السياسيين في روسيا -دون الكشف عن هويتهم كمؤيدين للرئيس الروسي بوتين.

إذن، ماذا يعني كل ذلك لمستقبل الديمقراطية؟

أولًا، المشاركة النشطة من المواطنين في وسائل التواصل الاجتماع قد لا تعني وجود ثورة تلوح في الأفق -في الواقع، يمكن أن تجعل النظام أقوى وأكثر قدرة على التكيف. لا يعني فرض قيود على الإنترنت تنفيذ رقابة صارمة، بل مزيج خادع من السيطرة، والمشاركة، والتلاعب. ثانيًا، يمكن أن تصبح الديمقراطية في الأنظمة المختلطة والاستبدادية عالقة في فخ زائِف. وعلى الرغم من أن وسائل التواصل الاجتماعي يمكنها جعل الأنظمة أكثر استجابة على المستوى المحلي، إلا أنها تُنتج نوعًا من الديمقراطية السطحية. تهتم الحكومة المركزية بقضايا شعبية، مثل الفساد المحلي، وأحيانًا وسط ضجة كبيرة، لدرجة أن احتمالات الإصلاح الجذري، مثل الانتخابات الحرة، تصبح بعيدة الحدوث. ثالثًا، المشاركة في وسائل التواصل الاجتماعي قد تساعد الأنظمة في تحصين أنفسها ضد الحركات الاجتماعية خارج حدود الدولة، مما يفرض عوائق أكبر أمام نشر تكتيكات الاحتجاج خارج الحدود. ومن خلال تكوين السرديات المهيمنة وحشد المؤيدين، يمكن أن تساعد وسائل التواصل الاجتماعي أصحاب المناصب في حماية أنفسهم ليس فقط من الاضطرابات الداخلية ولكن أيضًا من الضغوط الخارجية التي تطالب بالإصلاح.

وعلى عكس الرقابة، فإن هذه الاستراتيجيات تعزز النظام بدلًا من مجرد تخفيف آثار المُعارضة. وقد أثبت الطغاة قدرتهم على التكيف بشكل ملحوظ، والمرونة في مواجهة التحديات الجديدة، وتقويضهم لوسائل التواصل الاجتماعي قد يعني مشاكل على المدى الطويل لمستقبل الديمقراطية.

المصدر : التقرير

PLG_ITPSOCIALBUTTONS_SUBMITPLG_ITPSOCIALBUTTONS_SUBMITPLG_ITPSOCIALBUTTONS_SUBMITPLG_ITPSOCIALBUTTONS_SUBMITPLG_ITPSOCIALBUTTONS_SUBMITPLG_ITPSOCIALBUTTONS_SUBMITPLG_ITPSOCIALBUTTONS_SUBMITPLG_ITPSOCIALBUTTONS_SUBMIT