تربية الإطفال بين الثواب و العقاب/ عمر السبع


الثواب وسيلة تربوية

" إن طفلنا الصغير الذي نريد منه أن يفعل ما نوجهه إليه من سلوكيات طيبة أو تغييرات معينة، يحتاج إلى الثواب الذي يحضه على الفعل ويحمسه له.

والثواب الذي نقصده هنا لا يقتصر على الثواب المادي الذي يتمثل في جائزة تقدم للطفل أو منحة معينة، ولكن يدخل فيه أيضًا الثواب المعنوي، ولا يغني أحدهما عن الآخر.


(وينبغي على المربي إذا وعد بثواب أو جائزة أن يوفي بما وعد من الثواب، فإن إخلاف الوعد فيه ضرر كبير على الطفل، من جهة أنه لا يثق في وعد المربي، ومن جهة التأثير السيء في الاقتداء به، ومما يعين المربي على الوفاء أن لا يعد بما لا يمكن تحقيقه في الواقع، أو يصعب تحقيقه، كما لا يعد بأمر كبير لا يتناسب مع المطلوب، كالوعد بمبلغ مالي ضخم، أو القيام برحلة بالطائرة مثلًا، مما يجعله يتقاعس عن الوفاء) [نحو تربية إسلامية راشدة، محمد بن شاكر الشريف].

احذر الكذب

إن بعض المربين يعدون أبناءهم ببعض المكافآت كنوع من الثواب، ويكون ذلك من باب حمل الطفل على أن يقوم بأمر معين، أو الانتهاء عن شيء معين، وهم في الحقيقة لا ينوون الوفاء بما يعدون به.. وهنا تحدث مشكلة ضخمة بين المربي والطفل:

أولًا: لأنه بذلك يعلمه الكذب وعدم الوفاء بالوعد.

ثانيًا: لأن ذلك يحدث أزمة ثقة بين المربي وطفله.

ونجد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد حذر من هذا الأمر، فقد قال عبد الله بن عامر: (دعتني أمي يومًا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في بيتنا، فقالت: ها تعال أعطيك، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما أردت أن تعطيه؟ قالت: أعطيه تمرًا، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إنك لو لم تعطيه شيئًا كتبت عليك كذبه).

وقال أيضًا عليه الصلاة والسلام: (من قال لصبي: تعال هاك، ثم لم يعطه فهي كذبه).

إن شاء الله

إن (بعض المربين يحاول الخروج من ورطة الكذب أو إخلاف الوعد، في الوقت الذي يريد استخدامه لحض الطفل على الفعل أو الترك، فيقول في آخر كلامه: إن شاء الله، على أساس أنه لو لم يفعل لم يكن كاذبًا أو مخلفًا للوعد، لكن هذا أيضًا له أثر سيء على الطفل، حيث ترتبط في ذهنه هذه الكلمة الجميلة بعدم تحقيق المطلوب حتى إنه بعد فترة إذا وعدته وقلت له: إن شاء الله، قال: "بدون إن شاء الله"

فلا ينبغي للمربي أن يقول هذه الكلمة إلا وفي نيته الفعل، فإن لم يتمكن من الفعل فلا حرج عليه ولا يكون مخلفًا للوعد، فهو يقولها تحقيقًا لا تعليقًا، وعلى هذا النحو لا ترتبط هذه الكلمة في ذهن الطفل بشيء غير محبوب، بل سيعلم أن كلمة "إن شاء الله" لابد من قولها لما يستقبل من الأمور؛ لأن الله تعالى هو المتصرف في كل شيء ولا يحدث شيء إلا بمشيئته

وفي هذه المرحلة العمرية، فإن المكافأة المادية أولى عند الطفل في كثير من الأحيان من المكافأة المعنوية، وإن كان هذا لا ينفي العناية بالمكافأة المعنوية، لكن الأولى تغليب الثواب العيني أو المادي على الثواب المعنوي؛ لأن الطفل يتفاعل معها أكثر، ولا ينبغي المبالغة في الثواب حتى يتحول إلى شرط للعمل والاستجابة) [نحو تربية إسلامية راشدة، محمد بن شاكر الشريف].

لك درهم

بما سبق نكون قد ألقينا الضوء على عملية الثواب التي تتطلبها عملية التربية، فعندما يهم المربي ليجعل الثواب أحد الوسائل التي يستخدمها في تربية أبنائه، فإنه يضمنها الضوابط التي ذكرناها من قبل حتى تثمر تربية حقيقية فعاله؛ لها بالغ الأثر  في نفوس أطفالنا إن شاء الله.

وفي الختام نشير إلى أن السلف قد قدروا أهـمـيـة ترغيب الأبناء وثوابهم عند حسن استجابتهم ومن ذلك ما رواه النضر بن الحارث قال: سمعت إبراهيم بن أدهم يقول، قال لي أبي: (يا بني اطلب الحديث، فـكـلـمـا سـمـعـت حـديـثـًا وحفـظـتـه فلك درهم، فطلبت الحديث على هذا).

أتاه ويحذر من معاودته.. فإنك إن عودته التوبيخ والمكاشفة حملته على الوقاحة).

العقاب وسيلة تربوية

لقد بينَّا من في مقال سابق أن الثواب والعقاب وسيلتين مهمتين من وسائل الترغيب والترهيب، وتحدثنا تفصيلًا عن الثواب كوسيلة تربوية، وفي هذا المقال نتحدث عن العقاب كوسيلة ثانية مهمة من وسائل تربية أطفالنا في مرحلة ما قبل سن التمييز.

تعرف على العقاب

هل يقع أبناؤنا في أخطاء؟

هل علينا أن نعاقبهم وهم أطفال صغار؟

وهل يتساوى العقاب في جميع الحالات؟

عزيزي المربي، إن التربية لا تعني الشدة والضرب والتحقير، كما يظن الكثير، وإنما هي مساعدة الناشئ للوصول إلى أقصى كمال ممكن.

عزيزي المربي، لا شك أن جميع الأطفال يخطئون، بل جميع البشر يخطئون، ولا ينبغي علينا أن نتجاوز عن جميع الأخطاء ونتساهل في أمرها على اعتبار أنها صادرة من طفل صغير، وفي ذات الوقت لا ينبغي أن نعاقبه على خطأ يصدر منه، وعلينا أن ننتهج نهج الاعتدال في معاقبة أطفالنا عند الخطأ.

العقاب البدني

ولعل أول ما يرد على ذهن الكثير من المربين عند الحديث عن العقاب، العقاب البدني، وهذا ليس بصحيح، بل إن العقاب البدني غير مرغوب فيه في مرحلة ما دون سن التمييز، وكما قالوا: "آخر الدواء الكي".

يقول ابن خلدون في مقدمته: (الشدة على المتعلمين مضرة بهم، وذلك أن إرهاف الحد في التعليم مضر بالتعليم، سيما في أصاغر الولد؛ لأنه من سوء الملكة، ومن كان مرباه بالعسف والقهر من المتعلمين أو المماليك أو الخدم، سطا به القهر، وضيق على النفس انبساطها، وذهب بنشاطها، ودعاه إلى الكسل، وحمل على الكذب والخبث، وهو التظاهر بغير ما في ضميره، خوفًا من انبساط الأيدي بالقهر عليه.

وعلمه المكر والخديعة لذلك، وصارت له هذه عادة وخلقًا، وفسدت معاني الإنسانية التي له من حيث الاجتماع والتمدن، وهي الحمية والمدافعة عن نفسه ومنزله، وصار عيالًا على غيره في ذلك، بل وكسلت النفس عن اكتساب الفضائل والخلق الجميل، فانقبضت عن غايتها ومدى إنسانيتها، فارتكس وعاد في أسفل السافلين، وهكذا وقع لكل أمة حصلت في قبضة القهر، ونال منها العسف واعتبره في كل ما يُملك أمره عليه... فينبغي للمعلم في متعلمه، والوالد في ولده، أن لا يستبد عليهم في التأديب) [مقدمة ابن خلدون، ص (508)].

فن العقاب

إن المربي في حاجة لأن يتعرف على الكثير من طرق العقاب، فقد يكون من الأخطاء ما يحسن التغافل عنه، وكأن المربي لم ينتبه له، ومنها ما يحتاج إلى نظرة بالعين فقط، أو إظهار عدم الرضا عن فعل معين، وقد يكون المناسب لموقف معين كلمة مهذبة أو إشارة لطيفة.. وقد تحتاج بعض الأخطاء إلى العقاب بالحرمان من بعض المحبوبات.

(ومن العقوبات التي يمكن استخدامها في هذه المرحلة وهي مؤثرة على الطفل: عدم البشاشة في الوجه أو الضحك معه، والإعراض عنه والإقبال على غيره من إخوانه، أو ترك تكليمه وترك القص عليه، ويفضل في هذه المرحلة الابتعاد عن العقوبة البدنية، وعند الاحتياج لها فلا ينبغي أن نتجاوز إظهار أداة العقوبة كالعصا والسوط والتهديد بها، ثم فرك الأذن، وأما العقوبة البدنية التي تزيد عن ذلك فينبغي تأخيرها إلى المرحلة التالية، والمربي هو من يفاضل بين هذه الأشياء، ويختار المناسب من كل ذلك للخطأ الحادث) [نحو تربية إسلامية راشدة، محمد بن شاكر الشريف].

تنبيه هام!

في قيام المربين بعملية العقاب لا يصح بحال أن يكـون العقـاب سخرية وتشهيرًا أو تنابزًا بالألـقـاب، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خـَيْراً مِّنْهُمْ ولا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ ولا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ ولا تَنَابَزُوا بِالأَلْـقَـابِ} [الحجرات:11].

طريقة مجدية

ولعل أجدى الطرق التي ينبغي اتباعها مع الصغار هي ما ذهب إليه بن مسكويه في الموازنة بين الثواب والعقاب يقول في ذلك:

(ليمدح الطفل بكل ما يظهر من خلق جميل وفعل حسن ويكرم عليه، وإن خالف في بعض الأوقات لا يوبخ ولا يكاشف بل يتغافل عنه المربي... ولا سيما إن ستر الصبي مخالفته... فإن عاد فليوبخ سرًا، ويعظم عنده ما إن الثواب والعقاب وسيلتين مهمتين من وسائل الترغيب والترهيب، ونحن نتحدث هنا عن أبنائنا في مرحلة ما دون سن التمييز.. لابد أن نتعرف على هاتين الوسيلتين حتى يمكنا الإفادة منهما في تربية أبنائنا في هذه المرحلة الدقيقة من أعمارهم.

 

 

PLG_ITPSOCIALBUTTONS_SUBMITPLG_ITPSOCIALBUTTONS_SUBMITPLG_ITPSOCIALBUTTONS_SUBMITPLG_ITPSOCIALBUTTONS_SUBMITPLG_ITPSOCIALBUTTONS_SUBMITPLG_ITPSOCIALBUTTONS_SUBMITPLG_ITPSOCIALBUTTONS_SUBMITPLG_ITPSOCIALBUTTONS_SUBMIT