مؤتمر الرئيس.. ملاحظات جوهرية في الشكل، والمضمون (خـاص)

تسمر الموريتانيون أمام شاشات التلفاز لمتابعة اللقاء الصحفي لرئيسهم، بعد طول انتظار وترقب، وظل الجميع ينصت بإصغاء لكل ما يقوله ولد عبد العزيز، وحتى لحركاته، وإشاراته، ومع انتهاء المؤتمر، يمكن أن نجمل أهم الملاحظات التي ميزته، سواء من حيث الشكل، أو المضمون في النقاط التالية:

 الشـكـل..

طبيعة القاعة...

حيث حضر لأول مرة أركان النظام (الوزير الأول، وبعض أعضاء الحكومة، ورؤساء أحزاب الأغلبية، والمعارضة المحاورة، وحرم الرئيس السيدة الأولى...) وهو ما جعل اللقاء أقرب إلى ندوة سياسية، منه إلى مؤتمر صحفي بالمعنى التقليدي للمصطلح.

ومن حيث الشكل كذلك، كان لافتا أن الرئيس، والوزير الأول، وجميع الرسميين حضروا بزيهم الرسمي، وكأنهم في مهمة عمل، وحتى الصحفيون طـُلب منهم كذلك ارتداء البدلات، رغم أن الجميع خارج وقت الدوام، وهو ما يضفي على اللقاء مسحة من الجدية، والرسمية.

البداية، والنهاية..

بداية المؤتمر، كما نهايته كانت غير مألوفة، فجأة ظهرت سيدة شابة من موظفي القصر تردد جملا مرتبكة، وهي تعلن عن ضوابط المؤتمر، وتقدم رئيس الجمهورية للجمهور، قبل أن تختفي –ولغير رجعة- عن المشهد، ويطل الرئيس، ليدير بنفسه حواره، ويحول الصحفيين إلى "ضيوف" يعطيهم الكلام، ويسحبه منهم متى أراد، وليس العكس ! وهي طريقة لا نجدها في جميع المؤتمرات الصحفية في العالم، وربما تعود براءة اختراعها للرئيس ولد عبد العزيز شخصيا.

خروج على الضوابط..

مع أن الرئيس شدد في بداية المؤتمر على أن كل صحفي مسموح له بطرح سؤال واحد فقط، إلا أن هذا الشرط تم انتهاكه مرارا، فكان الرئيس يسمح لبعض الصحفيين بطرح العديد من الأسئلة دفعة واحدة، بينما يقاطع البعض الآخر، ويوقفه عند سؤال واحد، قبل أن يستسلم الرئيس للواقع، ويترك الحبل على الغارب للصحفيين ليطرحوا ما يريدون من أسئلة، لكن الرئيس كان متحكما في إجاباته، فيجيب عن البعض، ويترك البعض الآخر، سهوا، أو تجاهلا.

الرئيس، والجمهور..

رغم كثرة الحاضرين في القاعة، إلا أن تفاعلهم مع كلام الرئيس طبعه الفتور في العديد من فترات المؤتمر، باستثناء ثلاث تصفيقات متباعدة هي كل ما فعله الجمهور، حيث كان الهدوء، والسكينة يطبع الحاضرين، وكأنما على رؤوسهم الطير، وقد جرت العادة أن تتم مقاطعة الرئيس بصيحات الإشادة، وعبارات الدعم، والتمجيد كلما تحدث أمام جمهور كهذا.

غياب ممثلي الإعلام الرسمي..

فلأول مرة، تم استبعاد ممثلي التلفزة الموريتانية، والإذاعة، والوكالة الموريتانية للأنباء بتعليمات من الرئيس، لكن المفارقة أن ممثلي الإعلام المستقل الذين حضروا لعبوا أدوارا في المهادنة، والتصفيق ربما ما كان ممثلو الإعلام الرسمي سيهتدون إليها لو أنهم حضروا، وقد بدا معظم المحاورين للرئيس مرتبكين في البداية، باستثناء اثنين فقط من أصحاب التجربة في مؤتمرات الرئيس.

من حيث المضمون...

 من حيث المضمون، كانت أكبر مفاجأة تضمنها المؤتمر هي أنه لم يحمل مفاجأة، فجميع ما قاله الرئيس لاكته الألسن، وتم تداوله على نطاق واسع في الصحافة، وصالونات السياسية قبل يومين من مؤتمر الرئيس، ومع ذلك فإن بعض النقاط بدت لافتة في كلام ولد عبد العزيز، نذكر منها:

 دفاعه المستميت عن الجيش الوطني، وتبرئته للحكومة من مسؤولية تصويت الشيوخ السلبي، ورفضه إقالة المسؤولين بناء على تحريض من أي جهة، لكن الأهم كان مهادنته للشيوخ المخالفين، وتأكيده على أنهم ما زالوا جزء من الأغلبية، رغم تصويتهم ضد خياراتها، وكذلك مهادنته – ولأول مرة- للرئيس الأسبق اعل ولد محمد فال، حيث تجنب الحديث عنه بشكل سلبي، ووصفه ب"الرئيس السابق" وقد جرت العادة بأن يصفه بأوصاف أخرى، ونبرة التهدئة هذه كانت لافتة، وربما هي ضرورات الاستفتاء المقبل، ومصلحة الرئيس في عدم زيادة الأعداء، والخصوم في هذه المرحلة التي يحتاج فيها أصوات الجميع في وجه الاستفتاء.

كما كان لافتا من حيث المضمون عدم تحديد الرئيس لتاريخ تنظيم الاستفتاء- ولو بشكل تقريبي، وعدم طرح أي سؤال عليه يتعلق بالموضوع- رغم أهمية التاريخ هنا- كما لم يعلن الرئيس عن إطلاق حملة تحسيسية للحث على التصويت لصالح الدستور، وإن بدا واثقا من تصويت غالبية الشعب لصالح التعديلات.

وكان رفض الرئيس القاطع لفتح أي حوار سياسي جديد لافتا، وردا واضحا على دعوات المنتدى في هذا الصدد، وهو ما يجعل قادة المنتدى مضطرين لمراجعة حساباتهم بناء على هذا المعطى الجديد.

ولعل من اللافت كذلك حديث الرئيس عن الخارج، وتحديدا فرنسا، حيث صعد من نبرته تجاهها، مؤكدا رفضه أي تدخل خارجي في الشأن الوطني من أي طرف كان، وكشف عن تلقيه مطالب من جهات خارجية لتسليمها المسيء لنفسه ولد امخيطير، وهي أول مرة يكشف فيها الرئيس هذا السر.

 انتهى المؤتمر الصحفي لولد عبد العزيز، وتأكد الجميع – معارضة، وموالاة- أن موريتانيا بالفعل مقبلة على مرحلة حاسمة من تاريخها السياسي، فأي معطيات ستحملها تلك المرحلة، وهل سيكون ميلادها طبيعيا، أو عسيرا، وبعملية قيصرية ؟؟؟.

PLG_ITPSOCIALBUTTONS_SUBMITPLG_ITPSOCIALBUTTONS_SUBMITPLG_ITPSOCIALBUTTONS_SUBMITPLG_ITPSOCIALBUTTONS_SUBMITPLG_ITPSOCIALBUTTONS_SUBMITPLG_ITPSOCIALBUTTONS_SUBMITPLG_ITPSOCIALBUTTONS_SUBMITPLG_ITPSOCIALBUTTONS_SUBMIT