مذيعة CNN : تبوح بقصة مرضها المقرف... وسر شفائها
هذه أنا.. زين فيرجي المذيعة. أمضيت أكثر من عقد من الزمان ضمن مسيرتي المهنية في محطة تلفزيون دولية وأنا سافرة الوجه لعشرات الملايين وهم يتسمّرون يوميا وراء الشاشات. رغم ذلك فإنني أمضيت جميع حياتي حتى الآن متخفية.
لسنوات، وأنا أحتفظ بسرّ مؤلم: لا أستطيع رؤية المرآة. فالضوء الساطع يجعلني أنكمش على نفسي. وثانية إضافية عن الوقت المخصص للتعرض للضوء تؤلمني وتؤثر سلبا في حياتي. وتمضية يوم واحد معرضة لشمس الصيف الحارقة، تقودني دون تردد إلى الظل
.
في جسدي نتوءات تشبه الجداول التي تخلف ما يشبه الجزء الصغيرة المنعزلة على سطح جسدي، وشيئا فشيئا تتلاصق لتخلق قارات من الأجزاء المسننة التي تتخذ اللون الأسود، ثم تبدأ في إطلاق رائحة، كما تفرز دما وقيحا.
أما فروة رأسي فتبصق رقائق فضية. وآذاني ملآى بالقشور، كما أنني أخلف ورائي في أي مكان أجلس فيه بقعا بيضاء. ورغم أنني أسبح داخل ملابس فضفاضة وطويلة إلا أنّ يديّ تخونانني فالقروح تبقى مفتوحة فيما الأظافر مطلية بالبثور. وكل صباح أعثر على الشعر وهو عالق بمخدتي والشراشف.
أنا أعاني من الصدفية. لقد اكتسحت جسدي منذ كنت في الثامنة من العمر وفي بعض المرات أبدو وكأنني مصابة بالجذام. وأذكر أن سيدو طلبت مني ذات مرة في إسرائيل أن أغادر المسبح لأنها لا تشعر بالارتياح للحالة التي عليها جسدي. شعرت بالعار وقتها وأخفيت رأسي بيدي.
أما مظهري تحت الرقبة فوضى عارمة. لذلك فقد قررت أن أرى أبعد من ذلك. أنا قادرة على أن أرتدي ما يحلو لي وبكيفية مثالية في الظلام. وأشعر بالارتياح داخل غرفة أو خزانة ملآى بالثياب. وعندما أزور أي مطعم فإنني أحرص على الجلوس على أكثر ركن مظلم وبعيد عن الناس.
والشتاء وحده مفضل لدي لأنني لا أكون خلاله مضطرة لأن أرتدي ثيابا تغطي جميع جسدي من رأسي إلى أخمص قدمي. ووجهي لا تشوبه شائبة ولا يبدو فيه أي عيب أو أثر والإعجاب به لا ينتهي، لكنني على ثقة من أنّ فيلم رعب يتخفى تحت ملابسي. فأنا أشعّ من الخارج وأتعفن من الداخل. فما حقيقتي؟
تضاء الكاميرات والأنوار، وها أنا أشع أمامها بكل قوة وأبتسم بعد أن أخسر نفسي أو أنساها وأكون في أقصى طاقتي وبكل تركيزي. إنه فقط وجهي. هو وحده ما يوجد مني وهو ما يمنحني الثقة. أما بقيتي فهي تصارعني وتصارع جسدي طيلة حياتي.
طيلة حياتي، أصل إلى أقصى درجات الانحدار النفسي وأبكي بهستيريا وأطرح ذلك السؤال "من سيرغب بي وأنا على هذه الحالة؟" لا أحد يستطيع لمسي. وأصبحت أمي خبيرة في هذا المرض. تطالع كل شيء عنه حتى أنها أنشأت ما يشبه المختبر الخاص بي وفيه تخلط الوصفات لتضعها على جسدي الذي عادة ما تضعه داخل أنبوب مليء بأملاح البحر الميّت. أما بقية اليوم، فأقضيها في حالة من الفوضى والمعاناة ووسط روائح المراهم، ولكم أن تتخيلوا سنوات المراهقة التي أنأى فيها بنفسي عن الأصدقاء حتى لا يعرف سري أحد.
لا أواعد الذكور ولا ألتقي الإناث فالخصوصية أمر مقدس ولا شيء فوقها، بل إنني لا أعرف شعور أن يلامسني أحد باستثناء أمي.
أما الحكة فأمر يصعب التعامل معه. أحاول أن أتجاهلها ولكن ذلك مستحيل لأنها تدفعني لرد الفعل فتراني أستخدم كل قوتي ودموعي على جسدي وأصبح عنيفة. أظلّ أحك جيئة وذهابا حتى يتدفق الدم فيما الغضب والمهانة يسيطران على أحاسيسي.
لذلك فإنني أختفي داخل فكري ورأسي، فأختلق قصصا وشخوصا وأتلاعب بحوارات تشبه المونولوغ مع نفسي، قصصا تتحدث عن الحياة والموت والشجاعة والجبن حتى أهرب من نفسي. لقد بات دماغي يعيش منفصلا عن الجسد الذي يتخفى فيه.
أذكر أنني في بداية العشرينيات من عمري، أخذتني خيالاتي إلى البعيد. والآن ها أنا أستعد لتقديم برنامج تلفزيوني من كينيا في ساعة ذروة المشاهدة. هذا المساء فرصة عظيمة ومعها تبدأ لعبة الوجه.
قضّيت عصر ذلك اليوم وجزءا من مسائه في تصفيف الشعر والماكياج. وعندما جلست على مقعد المذيع، سمعت صوت تقطّع لفة بلاستيكية. قبل ذلك كنت قد لفتت ساقي وجذعي بالبلاستيك بعد أن دهنت النتوءات بمادة الفازلين حتى أخفف من الألم وأحتوي الرائحة.
الآن تنار الأضواء، ومدير الاستوديو يجلب إلي نسخة النشرة المطبوعة، المخرج يطلب إخلاء الاستوديو إلا مني، ومدير الاستوديو يعطيني شارة البداية، أبتسم وأرحب بملايين الكينيين الذين يشاهدونني .
وضجّت بي الأفكار داخل الاستوديو مغلق الأبواب، لقد استسلمت، ووقعت على القاعة. أبكي وأصرخ وأحك جسدي بجنون. والدتي تبكي. ومن النادر أن رايتها تبكي فقد كانت آخر مرة عندما توفي جدي. لكن إثر ذلك جاء ملاك.
لقد اقتربت إحدى صديقات العائلة من والدتي وقالت لها "ابنتك لا تبدو بخير. فهي تفقد شعرها. فما الأمر؟ وانتهى الأمر بوالدتي بأن تعترف لها، فردت الصديقة بأنه من الضروري أن أذهب إلى جورج.
جورج هي قرية صغيرة تقع في جنوب إفريقيا. لقد علمت أنّ بها مصحة مختصة في علاج أمراض الجلد. لكنني كنت قد يئست من الآمال الكاذبة وروائح المراهم ومشاهد المصحات والأطباء والمستشفيات، لكن والدتي أقنعتني، ووجدتني بعد ذلك بأسبوع في جورج غصبا عني وبشعور متكرر من المهانة حيث كان ينبغي أن أقف عارية أمام الأطباء والممرضات.
لقد استمعت إليهم وهم يقولون "لم يسبق لنا أن شاهدنا مثل هذا من قبل." ألقيت ببصري صوب النافذة لأشغل نفسي بمناظر خلابة فيها أشجار جديرة بأن تكون على بطاقات المعايدة. وفجأة سمعت سؤالا "ماذا تعملين" ورددت عليه "لاشيء" حتى أتجنب أن أدخل في نقاش يفضح كوني مذيعة مشهورة في كينيا التي أعمل في تلفزيونها ومحطة إذاعية شهيرة. كيف سيكون ردّ جمهوري لو علموا بحقيقتي؟
في هذه المصحة، يتم التركيز على الذهن والجسد والروح، وهو ما بدا لي أمرا غريبا. لقد قيل لي إنه يتعين أن أمارس نوعا من اليوغا والتأمل والاسترخاء العميق والتصور الخلاق ثلاث مرات في اليوم. كانت الصورة هي نفسها كل يوم تقريبا عندما أقول لنفسي "كل يوم وبكل المعاني أنا أفضل وأفضل وليست لدي رغبة في أن آكل أي غذاء أعلم أنه يضرّ بي."
لقد عملت تلك الوصفة وبدت لي فعالة. كنت أتناول الزبادي أو النخالة صباحا، والسلطة أو السمك أو الدجاج عند الغداء وكم كنت أشتاق للبهارات الحارة. ولم أكن أتناول سوى الشاي والأعشاب وأكثر من الماء.
وأذكر أنني كتبت رسالة طويلة إلى مرضي، وصفت فيها كيف تسبب لي في الألم وكيف أنه يؤثر في علاقاتي ويجعلني ضعيفة. لقد لمته لأنه لا يسمح لي بأن أكون حرة. ولمته على غضبي وعنفي وعدم قدرتي على الشعور بأنني محبوبة، وافتقاري إلى الطمأنينة المستمرة، وذكرته بأنه السبب في افتقاري أيضا لأي نوع من الحياة التي يعرفها كل البشر ورجوته أن يذهب عني ويغادرني إلى الأبد. لكنني أيضا شكرته إثر ذلك على كونه منح لي أفقا آخر من التفكير وعلمني الصبر وعدم إطلاق الأحكام النهائية.
كنت أبكي بحرقة ومنهارة عاطفيا ولكنني مصممة داخل الأكمام الطويلة وبنطلون الجينز. ثم تناولت مجرفة وحفرت في أديم الحديقة بأظافري ويدي، ودفنت الرسالة هناك وزرعت شجرة مستخدمة يدي لألمس التراب وبدت لي الطبيعة مبعث شعور على الاطمئنان.
لقد كنت وقتها أدفن الماضي وقلت كل ما أحتاج قوله لجلدتي. وشعرت أن الشجرة ستمنح حياة وهواء وربما ستمنحني فرصة للتنفس من جديد.
إثر ذلك بأسبوعين، بدأت أشعر بشيء من التغير. شيء بسيط. فوسط كل صفيحة كان هناك شيء ضعيف من الالتئام. شعرت بذلك لأنني فقط كنت ألمس جلدتي وأشعر بها.
دفعني ذلك التقدم البسيط إلى أن أتمسك بالحمية ونظام العيش الذي بدأته، وشيئا فشيئا بدأت ألاحظ أن ضحكتي غير مصطنعة وإنما حقيقية ومن أعماق روحي، كما أنني كنت مليئة بالطاقة.
عدت إلى نيروبي بذهن مختلف وبنوع من السيطرة على نفسي وتابعت نفس النظام ملتزمة به التزام الجنود. وكل 28 يوما كنت ألاحظ التقدم. إنه ضئيل ولكنه موجود. توقفت الرائحة وبدأت النتوءات تختفي مثل الجبال التي تنهار وبدأ لونها يختلف من الأحمر إلى الزهري فالأبيض.
كنت أتابع التغيرات التي تطرأ على جلدتي بكل انبهار بعد أن بدأت القارات التي ظهرت عليه في الاختفاء بفعل الزلزال الذي أثاره ذهني. ولم تعد الصفائح تظهر. لا يمكنني أن أصدق ذلك.
والآن مرت ستة شهور على شفائي. لقد أصبحت عادية ولا توجد صفائح مصابة وأنا أخيرا حرة. ولم يكن هناك علاج آخر باستثناء نوعية الغذاء. لقد عالجت نفسي بالحمية. وعندما مشيت الخيلاء في مكتب طبيبة الأمراض الجلدية التي تتابع حالتي، لم تمسك نفسها عن الصراخ بفعل الصدمة بعد أن أبلغتها بكوني لقد عالجت نفسي بقوتي الذهنية. وقالت لي لاحقا أنّها تعتقد أنّ هناك مكانا للعلاج الطبيعي داخل منظومة الطب.
لا استطيع القول إنّ ذلك سيكون فعالا لدى الآخرين ولكنني أعتقد أنّ الحمية والقوة الذهنية ونظام دعم قوي من المحيط، هي الأجوبة الأكثر عقلانية بالنسبة إلى حالتي. ومن دون شك فإنّ هناك مكانا أيضا للعلاج الفيزيائي الخفيف أو لمراهم السترويد والطب البيولوجي، ولكني عالجت نفسي من الداخل.
وبعد التغير الذي طرأ علي، أخذتني عائلتي إلى مومباسا، على الساحل الكيني، ولم أشعر بالرهبة منه للمرة الأولى في حياتي. لقد ارتديت للمرة الأولى لباس بحر كان لونه أزرق داكنا بحافة صفراء. لم ألبسه سابقا وكان ملمسه ناعما جدا. كان أنثويا. ولم أشعر في السابق بأنني امرأة مثلما أشعر به الآن وأنا أرتديه. فأنا أرى كل منحنيات جسدي بنظرة مختلفة والمرآة لم تعد للمرة الأولى في حياتي عدوّي الذي أخشاه.
بقلم زين فيرجي: مذيعة ، cnn :المصدر