الناهَ بنت حمدي ولد مكناس في دائرة الضَّوء المُْعْتمة ثانية!
جمعني والناهَ العمل لسنينَ عديدة،.. لم تكنْ رئيستي، كُنَّا زميلات لا صديقات،.. ليستْ لها مِنَّة عليَّ، ولا فضل أتذكَّرُه، ولو كانَ لذكرته... ولم أُعَتِّب مكتبها يوماً.
النَّاهَ، سليلة أسرة عريقة من أهل السَّاحل، ذات مجد وثراء "تيلاد"، متوارث قبل قيام الدولة، ووالدها الدّبلوماسي المعروف حمدي ولد مكناس.
عملتُ مع النَّاهَ في محيط مُغلق من الرِّجال، ولم تكن متزوّجة، ومنطق الترتيب السليم للأشياء يُخضع احتكاكنا اليومي بزملاء العمل لسلَّم تطوّر العلاقات الإنسانية، فنسجنا علاقات صداقة وأخوة مع محيطنا في منتهى الاحترام وفوق كل الشبهات.. خلعنا عليهم طابع الأخوة المجردة وخلعنا عنهم الطابع "الجنسي"، وكذلك هم فعلوا معنا، وما ذلك بأسطورة،.. هو مستوى من الرُّقي في التعامل لدى البشر الأسوياء.
الصَّديق الرَّجل، الزَّميل الرَّجل، هو شخص مُقرَّب منَّا، يشبهنا، نبدي له الكثير من الودّ والتعاضد، نتفاعل معه، نأخذ ونعطي، حكمة وتجربة وعلما بشروط المهابة.. ولا يترتَّب على ذلك شيء آخر.. وجودنا في محيط من الرجال أسقط عنَّا رهبة التعامل المُتكلَّف، المُتهيِّب، المقيد بالمحظورات، الى التَّعامل النَّظيف المُنضبط العفوي.
شخصيا، لا أومن بوضع حد جنسي أو عرقي أو مذهبي للصداقة: رجل، امرأة، مسلم، أو من ديانة أخرى، أبيض، أسود، غني، فقير، متنفِّذ، أوفي أسفل السلم الاجتماعي،.. روح، شيء، تذكار، أمل. كلّما يحمل إلينا الفرح، كل منْ نتقاسم معه الألفة هو صديق.. قلتُ صديقا، لم أقل حبيبا!.
تَعلَّمتْ الناهَ في المدارس الغربية، اكتسبت انفتاح الذّهن والتَّفكير المعزّز بقوة الشخصية والحضور،.. اختطفَِ الموت والدها ذات صلاة فجر وهو في وضعية السّجود،.. فكان عليها أن تلتقط المشعل من يده وتواصل،.. اجتهدتْ، ثابرتْ إلى أن أصبحتْ سيدة بحجم قبيلة، فصارت امتدادا اجتماعيا وسياسيا ووظيفيا لوالدها ولتركة من المال والنفوذ..
خَلقت النّاه بسرعة خيالية شبكة من العلاقات، خصوصا على مستوى الاشتراكية الدولية وفي أروبا، خوَّلها للعب أكثر من دور في بعض الملفات الإقليمية الساخنة،.. وقد زوَّجوها حينها من كل رجال الجماهيرية، من القذافي لحارس الحدود!.
الناهَ التي أعرف، أيضا سيدة بحجم رجل دولة..، تتحرك في مساحة من التَّجرد من التفكير الضيق،.. وهذا قد لا يتسنى للبعض إدراكه، وأنا طبعا لا أحمله فوق طاقة إدراكه. هناك أرواح مريضة، ابتليتْ بالحضور الشَّديد لما تحت الإزار في اذهانها، وابتليت بإسقاط ما تتوهَّم على الآخرين!.. لن تَجُود هذه العقول بتحليل سليم لاَ تملكه، ومطالبتها بعكس ذلك ظلم بواح.
هناك مستوى من الطمأنينة المعنوية والثقة في النفس، يُمَكِّنُ أيَّ سيدة محترمة من أخذ صورة "سِلْفي"، أو صورة مُجاملة مع ذَكَر كُوبْرا،.. أن تبتسم وتضحك وتجامل في تحضُّر وعفَّة،.. من منطلق أنَّ الرجال لا ينقضُّون على كل ما يتحرَّك، والنساء لا يتصيَّدن كل حيٍّ!. والعرض مُصانٌ بالرقابة الذاتية قبل الجماعية... وجدول الأعمال لا يحوي بندا للملاطفة المشبوهة.
جمعني مع الناهَ محيط العمل، جمعتني معها الأسفار، تجاورنا في الفنادق، في الخارج والداخل،.. الناهَ، فتاة السياسية الشّرسة، أنثى شديدة الحياء في كبرياء، مُنكسرة الطرف خجولة، وهذا ما قد يجهله البعض عنها، لقد خبرتها وخبرتُ غيرها، ولم أرَ سيدة في الوظيفة العامَّة أكثر منها حياء وانضباطا أخلاقيا،..
في مجتمع "البيظان" ظل الاختلاط سلوكا اجتماعيا عفويا، إلى أن طال التَّشكيك الجزافي ما طال، ومن ضمنه عفَّة الآخر وسلامة مقصده في الصورة والجلسة والضحكة وقياس ذلك على مسطرة العاطفة والجنس،.. والخوض في عرضه بمناسبة ومن غيرها..
الناهَ تدفع ضريبة النجاح، وعليها -مع الأسف- أن تقبل أحيانا بتوجيه مسار المُنافسة السياسية باتجاه عرضها وسُمعتها... وهل من مَقْتَلٍ لسيدة نبيلة يوازي عِرضها وسمعتها؟!! ..
هُمْ قتلة محترفون، لكنك صَدَفَة مستعصية.
سيدتي النَّبيلة،.. ردِّدِي مع جُبران:
لُوموا وسبّـوا والعَنـوا واِسخَـرُوا
وَسـاورُوا أَيّـامَـنـا بالخِصـام
وَابغوا وَجوروا وارجمـوا واصلبـوا
فَالـرُّوحُ فينـا جَوهَـرٌ لا يُضـام
فَنَحنُ نَحـنُ كَوكَـبٌ لا يَسيـر
إِلَى الوَراء فِي النُّورِ أَو فِـي الظَّـلام
إِن تَحسبونـا ثلمـةً فِـي الأَثيـر
لَـن تَستَطيعـوا رتقهـا بِالكَـلام.
بقلم:الدهماء ريم.