شائعة توطين المهاجرين.. زوبعة سياسية
ظهرت خلال الأيام الماضية محتويات صوتية وكتابية و تدوينات تتحدث عن توطين اللاجئين الأفارقة في موريتانيا.و الحقيقة أن برنامج مكافحة الهجرة الذي تم توقيعه بين عدة دول من شمال إفريقيا و البحر الأبيض المتوسط في مجال مكافحة الهجرة السريّة كان في بعضه ثنائيا و في بعض اتفاقياته أوروبيا مع دول المنطقة المذكورة؛هذا البرنامج يعود للعشرية الأولى من القرن الحالي؛ومما تميز به هو تلكأ الدول الاوروبية في تعهداتها المتعلقة ببرامج استضافة المهاجرين وجهود مكافحة التسلل عبر البحر و المحيط إليها.
فقد كانت للجزائر اتفاقيتها مع فرنسا لمكافحة الهجرة قبل أن تلغيها فرنسا لاحقا لأسباب متعددة حسب وجهة نظرها.و هناك اتفاقيات سابقة مع تونس و المغرب و حتى ليبيا ماقبل سقوط نظام "القذافي" الذي هدد أثناء أزمة الربيع العربي باطلاق سيل المهاجرين نحو أوروبا مستخدما إياه وسيلة دفاع..
موريتانيا ليست نشازا في المنطقة و تمتلك حدودا واسعة مع دول الساحل و جنوب الصحراء و اتفاقيات ثنائية و إقليمية تسهل بل لا تشترط مجرد جواز السفر للكثير من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء وهي أكثر البلدان المعنية بتسلل و هجرة مواطنيها.
موريتانيا رغم كل هذا مرغمة على المشاركة ضمن جهود دولية وقارية لمكافحة الهجرة السرية و تأمين حدودها و عدم تحولها لمنفذ خارج على القانون لتصدير المهاجرين لأوروبا؛ فإذا كانت إيطاليا تضغط على تونس و ليبيا للاسهام في وقف سيل المهاجرين فإن إسبانيا الاوروبية الأقرب للمغرب و موريتانيا، تسعى بقوة لعقد شراكة مع البلدين لضمان تعاونهما خاصة موريتانيا البوابة البحرية الجنوبية لها و ما تشكله شواطئها من تهديد في هذا المجال؛ بل و دعمت وقادت جهود الشراكة الأوروبية حتى اعتبرت ممثلها لدى الشركاء الأوروبيين؛ فكانت إسبانيا حاضرة في دعم حرس الشواطئ الموريتاني و برامج التدريب الخاصة بتقنيات مكافحة الهجرة و برامج الإيواء في معسكر انواذيبو و كذلك برامج الترحيل للبلدان الأصلية.
هذا عن البرنامج القديم الذي يحاول البعض أن يبعثه من مرقده كأنما ولد الساعة؛ و هو الذي يوشك على إكمال عقدين من الزمن من ماراتون الاتفاقيات و تطويرها و مطالب الوفاء بتعهداتها على مستوى الجانبين...فماذا عن موريتانيا المعبر و المستقر المؤقت أو الثابت ولو لوقت؟.
موريتانيا دولة مرتبطة باتفاقيات إقليمية و قارية خاصة بتنقل الأفراد و الممتلكات مع وسطها الافريقي عموما و الغرب إفريقي خصوصا و هي بذلك مرغمة على التصريح للراغبين بدخول أراضيها رغم جهود الضبط و الإدارة التي تنتهجها سلطات الهجرة و إدارة المنافذ؛ لكنها مع ذلك مطالبة بحماية القوانين و الاتفاقيات الموقعة دوليا في مجال المكافحة و تأمين مخارج حدودها لهذا الدول.
موريتانيا ستعاني من مشكلات كثيرة لا يمكنها تحمل فاتورتها في أولها الضغط على الخدمات والمرافق العمومية وفرص العمل والموارد الطبيعية و تلك ضريبة كبيرة تسعى لتخفيف ضغطها عبر اتفاقيات مع الدول المستهدفة في أوريا وبقدر إدارتها للملف تفي بتعهداتها لاتفاقيات القارة و تلك المتعلقة بتوفير حقوق المهاجرين على أراضيها و فرص إعادتهم لبلدانهم أو الاستفادة من خبراتهم في التنمية و الخدمات التي تفتقر لليد العاملة.
أما قضية شائعة التوطين للمهاجرين فلا تعدو كونها زوبعة سياسية لجهات فشلت في تسويق نفسها داخليا خاصة مع قضاء حكم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني على أسباب التوتر السياسي و الصراع التقليدي بين المولاة و المعارضة؛ مما يتطلب بيئة لشذاذ هذه الفئات ضمن المعسكرين ممن يستفيدون من هذا الصراع الوهمي لتسويق انفسهم كوطنيين حريصين على مصالح البلد؛ هم أشد الضاربين بها عرض الحائط حين يكشف عن فرصة لإثارة شائعة، خاصة و البلاد على أبواب استحقاق رئاسي تتوجه دعوات شعبية كبرى لمأمورية ثانية لاستكمال الانجازات؛ و تلك مصبية يخشاها الجانبان (موالاة كاذبة تسعى لمكاسب مالية و اقتصادية شخصية على حساب مصالح الوطن تدعي علنا موالاة برنامج رئيس الجمهورية فيما هي فلول أنظمة سابقة يشار لها في عالم الفساد و الإفساد يحاول النظام سد الأبواب في وجهها و المحافظة على جو السكينة العامة لمركب الموالاة ).
أما الصف الثاني هو طابور ثالث و رابع في المعارضة بعد اقتناع الصفوف الأمامية لها بجدوائية الميثاق الأخلاقي السياسي الذي أرساه صاحب الفخامة في تعامله مع الشركاء السياسيين فلم يبق من وسيلة لتلك الصفوف سوى الاختلاق.
من المضحكات التي ما زلت اتذكرها و أنا شاب مع بداية المسار الديموقراطي تلك الشائعة التي أطلقت عن سعي حثيث من لدن الرئيس أحمد ولد داداه المرشح الرئاسي للعودة بموريتانيا للحظيرة الاقتصادية لمجمع الافرنك الافريقي CFA وهي شائعة لا تجد مسوغا خاصة أن الرجل هو مهندس الأوقية التي أخرجت موريتانيا من دورة المال الفرنسي عبر الفرنك الافريقي؛ إلا أن كثيرين تداولوا الشائعة تماما كشائعة التوطين في وقت مزال كثير من الموريتانيين يراوحون أمكنتهم لتسجيل أبنائهم بسبب قوة الاجراءات المعتمدة لدى وكالة الوثائق المؤمنة الوطنية لضمان توفير سجلات و وثائق سليمة تضمن حق الوطن و المواطن؛ فكيف يمكن لاجراءات كهذه أن تقبل توطين الأجنبي في وقت تحرص كل الحرص على التوثق من تسجيل مواطن موريتاني.
في الأخير موريتانيا لا تستطيع منع هؤلاء من دخول أراضيها و لا منعهم من مزاولة الأنشطة التي يسمح لهم بها القانون و خاصة اتفاقيات المعاملة بالمثل و تلك التطلعات التي تسعى لها بلادنا في توفير متطلبات حقوق الإنسان المهاجر في بلادنا و ضمان تنفيذ الاتفاقيات و بنودها الموقعة مع الشركاء في حفظ حدودنا لكي لا تكون معبرا يهدد سلامة بلدان أخرى.هي أزمة حقيقية بغض النظر عن شائعتها؛ و ما يروج له من أكاذيب التوطين المزعوم لكنها أزمة من منظور إدارة الأزمات تتعلق بإدارة التفاوض و الحصول على المكاسب التي تحقق لنا مصالح متعددة و أولويات مطلوبة على قائمة الاحنياجات، أولها بند قاري إقليمي بالإيفاء ببنود الاتفاقيات الخاصة بحرية تنقل الأشخاص و الممتلكات في فضائنا، و ثانيها بند خاص بحقوق المهاجرين ورفض كل أوجه العنصرية و التمييز التي قد تمس منهم و توفير أهم المتطلبات الانسانية في بلد يعاني من مشاكل اقتصادية واجتماعية؛ أما البند الأخير فلا شك هو التزامنا بالمواثيق الدولية في رفض كل أنواع الهجرة غير الشرعيةو ملحقاتها من تجارة البشر و التهريب و غير ذلك.
الدكتور : سيديا ولد محمد ولد الزوين/ خبير العلاقات الدولية و إدارة الأزمات