جميل منصور للجزيرة: شاركنا في الانتخابات للضغط على النظام، وفضح فساده (نص المقابلة)
قال محمد جميل منصور رئيس حزب تواصل: إن حزبه قرر المشاركة في الانتخابات لزيادة الضغط على النظام، وفضح فساده- على حد قوله- وأضاف ولد منصور في مقابلة مع الجزيرة نت أن هذه الانتخابات لن تحل الأزمة السياسية في البلاد، وانتقد استخدام النظام لوسائل الدولة لمصلحة مرشحي الحزب الحاكم. وفيما يلي نص المقابلة:
الانتخابات الحالية تثير بعض الجدل في الساحة السياسية وتختلف الرؤى بشأنها، فهل ترون أنها ستخرج البلاد من حالة التجاذب السياسي كما ترى الأغلبية، أم أنها ستزيد حالة الاحتقان كما تقول المعارضة؟ في ما يتعلق بموضوع الانتخابات فالظاهر أنها لن تكون مخرجا للبلاد من الأزمة، مع أنها خطوة متأخرة عن وقتها، فالظروف التي جرت فيها والتحضيرات التي سبقتها للأسف لم تكن في المستوى المطلوب، ولم تتح الفرصة لجميع القوى السياسية بأن تشارك فيها لتكون مخرجا من الأزمة السياسية الحالية في البلاد. ونحن مع أننا نشارك في هذه الانتخابات بناء على قراءة سياسية للمشهد الوطني، وبناء على تقديرات تخصنا وانطلاقا من أولويات عملنا، فإننا نعتقد أن البلاد بعد هذه الانتخابات بحاجة إلى أفق جديد من الحوار السياسي ومن التقارب السياسي من شأنه أن يساعد الانتخابات -إن كانت نتائجها وإن كان اقتراعها على المستوى المطلوب- في إخراج البلد لاحقا من الأزمة السياسية التي يعيشها. تثار الكثير من الشكوك حول ضمانات الشفافية ومدى استقلال وقدرة اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، فهل ترون أن ضمانات الشفافية توفرت بشكل كاف؟ وهل قامت اللجنة بدورها في هذا المجال؟ ليس هناك شك في أن الضمانات لم تتوفر بالشكل الكافي، سواء على مستوى حياد الدولة والإدارة، أو على مستوى التحضيرات الفنية المطلوبة لانتخابات بهذا الحجم، أو بالنسبة لإيقاف الضغوط وتوظيف المال السياسي، وسواء أيضا في ما يتعلق بتساوي الفرص أمام مختلف الفرقاء السياسيين في هذه العملية. وبالتالي فضمانات الشفافية لم تتوفر بالشكل المطلوب، وإن كنا نعتقد في حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية أن انتظار توفر الضمانات حتى يُشارَك في الانتخابات أمر متعذر، خصوصا مع هذه الأنظمة ذات الطابع الأحادي والاستبدادي، فالمشاركة في الانتخابات وسيلة ضمن وسائل لمزيد من الضغط، حتى تتوسع دائرة الضمانات في مراحل لاحقة. أما في ما يتعلق باللجنة المستقلة للانتخابات فقد ولدت ضعيفة، وانطلاقا من حوار لم تشارك فيه مختلف أطراف الطيف السياسي الوطني، وأكدت مسيرة عملها -أيضا- وسلوك لجانها المختلفة، والمستوى الذي عبرت عنه في ما يتعلق بقدرتها على مواجهة ضغوط الحكومة والسلطة أنها -للأسف- أضعف من أن تكون قادرة على تسيير انتخابات بهذا الحجم. يلاحظ في هذا الصدد أنه حتى الأحزاب التي ساهمت في إنشاء هذه اللجنة، أصبحت اليوم تشكك في مصداقيتها وقدرتها على إدارة هذا العمل بنجاح. ولذلك فنحن فعلا مصابون بكثير من القلق بالنظر لأجواء الانتخابات في الأصل، وبالنظر أيضا إلى ما أسفرت عنه اللجنة وأسفر عنه سلوكها من ضعف بيِن في التعامل مع الحكومة وضغوطها وفي التعامل أيضا مع مقتضيات مزيد من الشفافية والوضوح في العملية الانتخابية. أنشأت الحكومة قبل أيام مرصدا لمراقبة الانتخابات، فما الذي يضيفه هذا المرصد؟ وما موقف حزب تواصل من هذا الإجراء؟ نحن في حزب تواصل عبرنا من خلال بيان وقعته اللجنة التنفيذية للحزب عن موقفنا من هذا المرصد، الذي دعتنا الوزارة الأولى للاقتراح بشأنه فاعتذرنا عن الاقتراح بشأنه أو رفضنا، باعتبار أن هذا المرصد جاء متأخرا، ودون تشاور لازم، ودون الإطار القانوني المناسب. ومن يريد أن ينشئ مرصدا وطنيا للشفافية أو لمراقبة الانتخابات عليه أن يفعل في وقت كاف قبل الانتخابات حتى يراقب الأجواء التحضيرية لهذه الانتخابات، ويراقب علاقة السلطة والحكومة بتحضيراتها، ثم بعد ذلك يراقب التحضيرات الفنية المتعلقة بهذه الانتخابات ليراقب لاحقا الحملة الانتخابية ثم الاقتراع. ونحن نعتقد أنه جاء متأخرا عن كثير من هذا ودون تشاور كاف وبمرسوم من الحكومة وبقرار بتعيين الأشخاص من الوزير الأول. وكل هذا جاء متأخرا وضعيفا مع احترامنا للشخصيات المشكلة لهذا المرصد، ولكن نستطيع أن نقول بأنه غير قادر بالقيام بالمهمة المفترض أن يقوم بها. كثيرا ما اتهم الحزب الحاكم باستخدام سلطة الدولة وأموالها للتأثير على إرادة الناخبين، فهل لاحظتم من خلال سير الحملة تدخلا من الحكومة أو الحزب الحاكم بهدف التأثير على أشخاص أو مجموعات لتغيير توجهاتها الانتخابية؟ نعم لاحظناه قبل الحملة الانتخابية وأثناء الحملة الانتخابية، لاحظناه في الحملات الاستباقية لعدد كبير من الوزراء الذين يوظفون قدرة الدولة وجاه الدولة وأموال الدولة للتأثير على الناخبين، وللتهيئة أيضا لانتخاب الأحزاب القريبة من السلطة وخصوصا الاتحاد من أجل الجمهورية. وقد لاحظناه كذلك أثناء العملية الانتخابية من خلال ترشح شخصيات نافذة في السلطة التنفيذية يختلط عند الناس موقعها التنفيذي وترشحها الانتخابي، ثم أيضا لاحظناه من خلال الاتصالات الكثيرة التي قامت بها شخصيات نافذة في السلطة على مجموعات عديدة وشخصيات للتأثير عليهم. والآن انطلق عدد من الوزراء والشخصيات النافذة في السلطة ومفوضي الدعم العمومي ليؤثروا على الناخبين، خصوصا في المناطق التي يواجه فيها الحزب الحاكم منافسة قوية من أحزاب المعارضة خصوصا من حزب تواصل. فتدخل الحكومة بيِن واستغلالها للشأن العام وللإمكانيات العامة ولهيبة الدولة وقوتها مشهود. وفضلا عن هذا، تحرك مجموعة من الجنرالات كانت تتحرك قبل الحملة الانتخابية وسجل بعض تحركها أثناء الحملة، ونقدر أن اتصالاتها الخفية مستمرة. ولكن مع ذلك كله واضح أن كثيرا من مكونات الشعب الموريتاني منزعجة من أداء الحكومة، تحكم على هذا النظام بالعجز عن تسيير الشأن العام، وينتظر أن يكون لذلك أثره في ردات فعلها الانتخابية إن شاء الله. أثير الكثير من اللغط بشأن مشاركتكم في الانتخابات، واعتبر البعض أن هذا القرار "طعنة" لمنسقية المعارضة، ما هي مبررات هذه المشاركة؟ وهل ما يزال "تواصل" جزءا من المعارضة؟ شرحناها بشكل كاف قبل الحملة الانتخابية وأثناءها، وهي أن هذه المشاركة التي لا نعتبرها مؤثرة على خيار المعارضة الأصلي، باعتبار أن المعارضة موقف اتخذناه عن وعي في هذا الحزب، بناء على تحليلنا لوضع النظام، وسياساته ومستوى فساده وعجزه عن تسيير الشأن العام. ولكننا رأينا أنه في واقع كواقعنا وفي بلد كبلدنا مع شعب كشعبنا، وانطلاقا من تقديرنا لطبيعة الانتخابات وأثرها على الناس أنه لا ينبغي أبدا أن نترك ميدان الانتخابات للسلطة وأحزابها، وينبغي أن نظل قريبين من الناس، وأن نحاول أن نصلح ما استطعنا، وأن نوسع دائرة نفوذنا وتأثيرنا، وأن نزيد من الضغط على النظام في هذه الانتخابات، وأن نوفرها منبرا لكشف مساوئه وفساده، وطرح بدائل للشعب الموريتاني. حاولنا أن نقنع زملاءنا وإخواننا في منسقيه المعارضة الديمقراطية، لم يتحصل ذلك، أنصفونا في موقفنا وأنصفناهم في موقفهم، ولذلك سيرنا هذه المرحلة بطريقة توافقية، وأغلب أحزاب المنسقية اليوم تمارس معارضة نشطة لهذه الانتخابات، وحزبنا يمارس مشاركة نشطة في هذه الانتخابات، مع قدر من الاحترام المتبادل، فموقفنا في المعارضة مستمر، وموقعنا فيها قائم بإذن الله، والمشاركة وسيلة عندنا لتفعيل وتنزيل هذه المعارضة على أرض الواقع. يرى البعض أن مشاركتكم في الانتخابات تضفي عليها مصداقية هي بحاجة إليها، وأن تواصل بهذه الخطوة خسر موقعه المتميز في المعارضة، ولن يحصل على نتائج تمكنه من إبقاء صوت المعارضة حاضرا بقوة في البرلمان، ما مدى صحة هذا الطرح؟ نقدر أن مشاركتنا في الانتخابات سيحاول النظام أن يستفيد منها بهذا المعنى، ولكل موقف سياسي -بطبيعة الحال- جوانب يستفيد منها صاحبه وجوانب يستفيد منها الآخرون أيضا. بالتأكيد سيحاول تصويرها على ذلك النحو، لكن نحن صورناها على نحو مختلف بناء على قراءة سياسية لأوضاع البلد. وعموما نعتقد أن مشاركتنا في هذه الانتخابات إيجابياتها لمصلحة الخطاب المعارض ولقربه من الناس ولتأثيره في الشارع، ستكون أكبر من خشية إضفاء شرعية على نظام قد لا يكون يبحث عنها عندنا، وقد تكون أيضا -في ما يتعلق بجانبها التسييري على الأقل وفي جانبها الأدائي- لا تستطيع أن تتوفر مهما شارك من شارك أو قاطع من قاطع. في ما يتعلق بالمكاسب في هذه الانتخابات، نحن لا نبالغ في المكاسب المنتظرة، نقدر أن أداءنا وأن التفاف الناس حول خطابنا، وأن توفيق الله قبل ذلك وبعده ستكون له نتائج مقدرة يمكن أن نحققها. نأمل ذلك ونسعى له، ولكننا أيضا لا نبالغ فيه ولا نغتر بما نرى من الإقبال، ونطرح احتمال أن تكون هذه المكاسب محدودة، بحكم معرفتنا لطبيعة النظام وتدخلاته الآن وعند الاقتراع. ما هي أهم القضايا التي ترون أنها يجب أن تحظى بالأولوية في عمل البرلمان القادم؟ وماذا سيضيفه برلمانيو تواصل للعمل البرلماني في السنوات القادمة؟ أي برلمان له عمل من جانبين، جانب رقابة أداء الحكومة وكشف لسياسات الفساد ومتابعة كل جوانب الخلل في الأداء الحكومي، وجانب تشريعي يتعلق بسن القوانين وتحسين المنظومة القانونية في صالح أصالة هذا البلد ووحدته الوطنية وحريات مواطنيه وتنميتهم. ونحن بالتأكيد بناء على هذا، وانطلاقا من البرنامج الانتخابي الذي نشرناه في هذه الحملة سنعمل على الجبهتين إن شاء الله تعالى، مكملين ما بذله نوابنا السابقون ومطورين بفريق برلماني ننتظر أن يكون أكبر وأكثر تنوعا من حيث التخصصات، وأقدر على تمثيل مختلف مكونات هذا المجتمع. نأمل ذلك، ونأمل أن يكون صوتا قويا للدفاع عن الناس وكشف مظاهر الفساد، وصوتا واضحا أيضا في محاولة تحسين المنظومة القانونية التي يقف على رأسها بالنسبة لنا السعي -من خلال أداءنا الدستوري والقانوني- للتحول من هذا النظام الرئاسي المتغول بطبيعته إلى نظام برلماني تكون السلطة فيه أقوى عند البرلمان، وتكون الحكومة فيه مسؤولة أمام هذا البرلمان. المصدر: الجزيرة نت