اعل ولد محمدفال: البلاد تعيش تحت حكم تمرد عسكري فردي(بيان)
اكتملت آخر فصول المحاولة الواهية للتلاعب بإرادة الشعب الموريتاني وتزوير خياراته من خلال إعادة تنصيب رأس النظام لنفسه، تماما كما نافسها في انتخابات لم تتجاوز نسبة المشاركة فيها 25 في المائة من الشعب الموريتاني الذي أصر على مقاطعتها والعزوف عنها - رغم كل الإغراءات وحملات التحسيس وتدخل أجهزة الدولة- احتجاجا على ما تتسم به من عدم شفافية، ولقناعته الراسخة أنه لا جدوى منها سوى المحاولة اليائسة لإضفاء بعض الشرعية على تمرد عسكري مرفوض برهن، خلال فترة الـ 6 سنوات التي اختطف فيها البلاد، على فشله الذريع في إدارة شؤون الدولة وعجزه الواضح عن حل أبسط المشاكل؛ مما جعل الأوضاع تزداد سوءا يوما بعد آخر إلى أن وصلت إلى الوضعية الكارثية التي نعيشها اليوم على كل المستويات:
على المستوى الاقتصادي:
لم تستطع المساهمة الكبيرة لارتفاع أسعار بعض المعادن في الأسواق الدولية، والعائدات المرتفعة للضرائب المجحفة، بل والمهينة أحيانا، التي أصبحت تثقل كواهل المواطنين، التغطية على الوضع الاقتصادي المتفاقم؛ فالواقع على الأرض ينذر بكارثة حقيقية من خلال ضعف القوة الشرائية وتدني سعر صرف الأوقية وانتشار البطالة التي وصلت نسبتها 30%، إلى درجة أن المواطن البسيط أصبح يدرك التناقض الصارخ بين الأرقام الصورية التي يعلنها النظام وبين الواقع المعيش.
وأما على مستوى الشفافية والحكامة ومكافحة الفساد، فإن التقارير تظهر تراجعا كبيرا للبلاد المصنفة ضمن قائمة الـ 25 دولة الأكثر فقرا والـ 28 دولة الأكثر فشلا في العالم، فيما تراجعت في مجال مكافحة الفساد إلى الرقم 143 والرقم 119 في مجال الشفافية التي اضطرت لجنتها الدولية إلى شطب البلاد من عضويتها بعد رفض النظام تقديم بعض الأرقام والتقارير المتعلقة بمجال الصناعات الاستخراجية. ومن المؤسف أن تأثير هذه الوضعية الكارثية لن يقتصر فقط على الحاضر، بل سيمتد إلى المستقبل أيضا، وستنتظر الأجيال القادمة فاتورتها من التلاعب بالاقتصاد الوطني؛ ذلك ما يتضح من خلال مستوى المديونية الذي صعد إلى 105% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة مرتفعة إذا ما أخذنا في الاعتبار الشطب على أغلب الديون خلال الفترة الانتقالية (2005) والتعهد بمراجعة الباقي منها.
على المستوى الاجتماعي:
تعيش موريتانيا وضعية لا تحسد عليها بعد أن عبثت سياسة :"أنا ومن بعدي الطوفان" التي ينتهجها النظام بأغلى ما تملك "الوحدة الوطنية" و"اللحمة الاجتماعية" اللتان تمثلان أهم مرتكزات السلم والاستقرار في البلد بتشجيع الدعوات العنصرية والتغاضي عنها بطريقة فجة رعناء قد تنذر بانفجار الوضع إذا ما استمرت على ما هي عليه. لقد شجع النظام على العودة القوية للقبلية المفرطة من خلال استخدامه سياسة العصا والجزرة في التعامل مع القبائل والعشائر، ونفس الشيء مع الجهات، فظهرت لأول مرة الدعوات الجهوية المقيتة والفئوية البغيضة للعلن ودون خجل مما نخر جسم الدولة الضعيف وأفقدها كامل هيبتها. وعلى المستوى المعيشي حولت الارتفاعات المتصاعدة في الأسعار حياة المواطنين (خاصة من ذوي الدخل المحدود) إلى جحيم لا يطاق، وبات شبح المجاعة مخيما في عدة مناطق مما جعل عدة منظمات دولية، على رأسها الأمم المتحدة وبعض شركائنا في التنمية، تدق ناقوس الخطر من قلب العاصمة نواكشوط، وتحذر من مجاعة وشيكة في البلاد، داعية المجتمع الدولي إلى رصد مبالغ لا تقل عن 180 مليون دولار أميركي، لتمويل مشاريع وبرامج عاجلة لمعالجة الوضع.
وقد بدأت المنطقة المهددة بالمجاعة تتسع لتشمل، إضافة إلى مثلث الفقر، عددا من القرى الحدودية في الحوضين والعصابه دون أبسط تدخل من أجهزة الدولة التي تحاول التستر على الواقع المزري أكثر مما تتعاطى معه إيجابيا. ولعل مأساة امبود، غير المسبوقة في تاريخ المدينة، خير شاهد على احتقار النظام لمواطنيه.
وفي المجال الأمني:
وصل الأمن أدنى مستوى له منذ أمسك رأس النظام الحالي بزمامه تمهيدا لانقلابه على الشرعية وحتى اليوم، حيث باشر بتهميش وإبعاد خيرة القادة العسكريين والأمنيين مما انعكس بشكل واضح على الوضعية الأمنية متسببا في انفلات غير مسبوق لم يقتصر على موريتانيا فحسب، بل تأثرت به بعض الدول المجاورة، وهي فرصة لم يضيعها الإرهابيون الذين عاثوا في البلاد فسادا إذ نجحوا - ولأول مرة- في تنفيذ سلسلة عمليات وصلت حتى قلب العاصمة: فجاءت عملية قتل السياح الفرنسيين في ألاك، ثم قتل مواطن امريكي في لكصر، ومحاولة تفجير السفارة الفرنسية، واختطاف سياح اسبانيين على مشارف نواكشوط، إضافة إلي تفجيرات النعمة، واختطاف دركي من محل عمله في عدل بكرو، واختفاء دركي آخر في ظروف غامضة، لتعبر، بما لا يدع مجالا للشك، عن هشاشة منظومتنا الأمنية وعجز النظام عن حماية مواطنيه وضيوفهم. الأمر الذي أثر بشكل كبير على سمعة البلاد الخارجية، وجعل أكثر من 80% من أراضيها توضع على الخريطة الحمراء الأكثر خطورة في العالم، ودفع العديد من الدول الغربية الي تحذر رعاياها من السفر إليها، مما أدى بها إلى أن تصبح في شبه عزلة دولية،وجعل عائدات السياحة بها تتراجع إلى الصفر لأول مرة في موريتانيا. أما على مستوى المعارك التي زُج بجيشنا الوطني فيها من طرف رأس النظام الذي أصر على إدارتها بنفسه بكل رعونة وتهور مبعدا القادة الميدانيين الأكثر خبرة ودراية بالوضع على الأرض، فقد كانت نتائجها كارثية خاصة في معركتي"تورين" و"حاسي سيدي" حيث خسرنا في الأولى 12 جنديا وضابطا هم مجموعة أفراد الكتيبة التي كانت في مواجهة العدو، إضافة إلي ما كان بحوزتهم من عتاد وآليات. وزاد العدد في معركة "حاسي سيدي" ليصل إلي 19 جنديا موريتانيا قضوا خلال المعركة، مع استيلاء العدو على عدد كبير من المعدات والآليات شملت 8 سيارات رباعية الدفع. كل تلك الخسائر لم تقابلها أي إصابات أو خسائر تذكر في صفوف العدو. ولولا التدخل الفرنسي والدولي في مالي، لواجهت موريتانيا مشاكل كبيرة بفعل عجزها عن التصدي لخطر الإرهاب المتفاقم. وعلى المستوى الداخلي حطمت معدلات الجريمة كل الأرقام القياسية حيث انتشرت جرائم القتل والانتحار والاغتصاب والسطو والسرقة بشكل غير مسبوق في غياب واضح للأمن وتدافع للمسؤولية بين الأسلاك التي مُـيّعت تخصصات بعضها وهـُـمش بعضها الآخر وصودرت صلاحياته بصفة غير معلنة ولأسباب غير مفهومة. وقد بلغ انعدام الأمن بسكان بعض الأحياء في العاصمة إلى تنظيم دوريات ليلية لحماية منازلهم في سابقة من نوعها في تاريخ البلد.
على المستوى السياسي:
تدار البلاد منذ 2008 من طرف تمرد عسكري فردي اختطفها وسيرها بطريقة أحادية أجهضت المشروع الديمقراطي وأقصت السياسيين. وقد فشل المتمرد العسكري الانقلابي طيلة مأموريته الماضية في تنظيم أية انتخابات توافقية مما خلف أزمة سياسية مؤسسية فقـَـد فيها البرلمان صلاحياته. وبعد سنين من العمل خارج الشرعية والعجز عن تقديم ضمانات جادة لأحزاب المعارضة، قرر، بطريقة أحادية هي دأبه، تنظيم انتخابات محلية ونيابية بمن حضر. وهي انتخابات قاطعتها أغلب القوى المعارضة وأسفرت عن اختيار جمعية وطنية لا تعكس الميزان السياسي في البلاد ولا تمثل الناخبين الذين رفض أغلبهم المشاركة في اختيارها في الوقت الذي بقيت الغرفة الثانية (مجلس الشيوخ) خارج القانون ومنتهية الصلاحية إلآ إشعار آخر. أما المهزلة الانتخابية التي ينصب رأس النظام اليوم بناء على نتائجها الهزيلة، فقد أعادت البلاد إلي المربع الأول، فمثلت خيبة أمل كبيرة لكل الموريتانيين الذين رفضوا المشاركة فيها منذ الوهلة الأولى حيث قاطع أكثر من نصف الناخبين التسجيل على لوائحها فيما قاطعت أغلبية من سجلوا على اللوائح عملية التصويت مما يجلعها الانتخابات الأقل شعبية ومصداقية في تاريخ البلد. وهي حقيقة يبدو أن النظام أدركها فأصبح يطلب الشرعية والاعتراف خارجيا بعد أن فقدهما داخليا، مستأنسا بتجربته في البحث عن الاعتراف لتمرده الأول، ومستغلا رئاسة موريتانيا الدورية للاتحاد الإفريقي التي كان من سوء حظ موريتانيا والاتحاد أنها تزامنت مع فترة حكمه البلاد حيث سيهوي به إلي أحط المستويات كما فعل بموريتانيا.. وهكذا أوفد وزراءه وبرقياته في أنحاء العالم طالبا حضور تنصيبه رئيسا بناء على تمرد انتخابي وفي محاولة يائسة لتحقيق شرعية كانت وما تزال وستظل مفقودة نظرا لرفض الشعب الموريتاني منحها لهذا النظام الذي يتمادى، رغم كل ذلك، في التطاول على خياراته والتلاعب بإرادته مما يتطلب من كل فرد منه اتخاذ الموقف الممكن والمناسب لشجب المناكر التي يرتكبها هذا النظام الجائر تجاه الوطن والمواطن امتثالا للحديث الشريف: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، وإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان.
الرئيس السابق اعلي ولد محمد فال