التعليم الفرصة / جونج وا لي
كان التعليم المحرك الأساسي للتنمية الشخصية والوطنية والعالمية منذ بداية القرن، وكان إدراك هذه الحقيقة سببا في دفع العديد من البلدان إلى ملاحقة أحد أهم الأهداف الإنمائية للألفية والمتمثل في تحقيق التعليم الابتدائي الشامل واستئصال أشكال التفاوت بين الجنسين على كل مستويات التعليم بحلول العام 2015.
وقد ساهم هذا في تحقيق تقدم كبير في توسيع فرص التعليم والتحصيل في مختلف أنحاء العالم، ولكن يظل هناك الكثير من العمل الذي يحتاج إلى جهود إضافية.
لا شك أن هدف التعليم الابتدائي الشامل للجميع كاد يتحقق بالفعل. وعلاوة على ذلك، تحقق تقدم كبير نحو تحقيق المساواة بين الجنسين في فرص التعليم والتحصيل. والواقع أن معدلات التحاق الإناث في سن المدرسة بالتعليم تزايدت باطراد على كل المستويات، حتى اقتربت من مستوى التعادل مع معدلات التحاق الذكور على مستوى العالم. ونتيجة لهذا ضاقت إلى حد كبير الفجوة بين الجنسين في متوسط سنوات الدراسة للسكان البالغين، وهو المقياس المستخدم على نطاق واسع للتحصيل التعليمي.
وعلاوة على ذلك، كانت النسبة بين الإناث والذكور في متوسط سنوات الدراسة بين الأشخاص في سن 25 عاما فما فوق في العام 2010 بالدول المتقدمة 100% تقريبا، ونحو 85% في المناطق النامية. ولكن في العديد من البلدان ذات الدخل المنخفض في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا، لا تزال قدرة الفتيات على الوصول إلى التعليم أقل كثيرا، خاصة في المرحلتين الثانوية والجامعية، مقارنة بالفتيان.
فوارق التعليم
وتظل الفوارق العالمية الكبيرة قائمة أيضا في التعليم ما بعد الابتدائي وجودة التعليم، ففي البلدان المتقدمة، حصل ما يقرب من 90% من السكان في سن 15 عاما إلى 64 عاما على قدر من التعليم الثانوي على الأقل، مقارنة بنحو 36% فقط في البلدان النامية.
وعلى نحو مماثل، ورغم أن أكثر من 33% من السكان في سن العمل في البلدان المتقدمة بلغوا مستوى ما من التعليم الجامعي، فإن النسبة تنخفض إلى 12% فقط في البلدان النامية.
وتشير البحوث الأكاديمية إلى أن البلدان التي تتمتع بنصيب مرتفع للفرد في الدخل وانخفاض مستوى التفاوت في المداخيل وانخفاض معدلات الخصوبة تميل إلى استثمار المزيد من مواردها في تعليم الأطفال، حيث يؤدي الإنفاق العام إلى ارتفاع معدلات الالتحاق بالمدارس. والاستنتاج المنطقي هنا إذن هو أن الجهود الرامية إلى تعزيز النمو الاقتصادي الأكثر شمولا، ومن الممكن أن يؤدي تحسين أنظمة التعليم إلى رفع معدلات الالتحاق بالمدارس بين الشباب في البلدان النامية وخفض الفوارق بين الجنسين وبين الفئات الاجتماعية المختلفة.
ولكن تضييق الفجوات ببساطة بين معدلات الالتحاق بالمدارس وإجمالي سنوات الالتحاق بالمدرسة ليس كافيا، إذ يتعين على البلدان أيضا أن تضمن جودة أنظمتها التعليمية، وهو ما يشكل تحديا رئيسيا للعقود المقبلة.
ومن هنا، تعمل النتائج التعليمية الهزيلة وأنظمة التعليم التي تفتقر إلى الكفاءة على إثارة القلق العميق في مختلف أنحاء العالم. ففي العديد من البلدان، تفشل المدارس الابتدائية في تزويد الطلاب بالمهارات الإدراكية والمعرفية المناسبة مثل الحساب والقراءة والكتابة والقدرة على حل المشكلات والمعرفة العلمية العامة.
فضلا عن ذلك، وبسبب نقص التعليم في المرحلتين الثانوية والجامعية، بما في ذلك التعليم الفني والمهني والتدريب، يصبح الطلاب غير مجهزين لتلبية المطالب المتغيرة في سوق العمل. ونتيجة لهذا تناضل العديد من البلدان ضد عدم التوافق بين المهارات التي يسعى أرباب العمل إليها وتلك التي يتمتع بها العمال بالفعل.
ويتجلى التفاوت الواسع بين نوعيات التعليم وجودته، الذي يقاس عادة وفقا لإنجاز الطالب في الامتحانات الدولية، داخل مختلف البلدان وبينها.
فجوة كبيرة
وتكشف نتائج أغلب امتحانات الحساب والقراءة والعلوم الدولية لطلاب المرحلتين الابتدائية والثانوية عن فجوة كبيرة ليس فقط بين البلدان المتقدمة والنامية، ولكن أيضا بين مختلف أنحاء العالم النامي.
ووفقا للاتجاهات في دراسة الرياضيات والعلوم على المستوى الدولي، حصلت كوريا الجنوبية على أعلى متوسط درجات (590) في العام 2011 في اختبار العلوم لطلاب المرحلة الثانوية، في حين حصلت غانا على أدنى الدرجات (306).
ورغم أن الأداء الأكاديمي يتحدد وفقا لمدخلات الأسرة والمواهب الفردية لدى الطلاب إلى حد كبير، فإن بعض العوامل الأخرى مثل كم الموارد المدرسية المتاحة للطلاب تلعب أيضا دورا بالغ الأهمية، كما تفعل مدخلات مدرسية أخرى متعددة، مثل جودة المعلمين، وحجم الصف، وحجم الإنفاق لكل تلميذ، ووقت التدريس.
وتشكل السمات المؤسسية التي تميز أنظمة التعليم عاملا محددا آخر بالغ الأهمية لإنجاز الطلاب. والواقع أن التمويل الخاص واستقلال المدارس والمراقبة والتقييم الخارجيين، كل هذا يميل إلى التأثير على جودة التعليم من خلال تغيير حوافز الطلاب والمعلمين.
من المتوقع في المستقبل أن تعمل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الحديثة على تحفيز توسع فرص التعليم وتحسين جودته على المستويين الوطني والعالمي، من خلال تقديم مجموعة متنوعة من قنوات التعلم المبدعة.
على سبيل المثال، من الممكن أن تساعد القدرة على استخدام تكنولوجيات جديدة لبناء شبكات بلا حدود بين المدارس في توفير الفرص للطلاب في البلدان ذات الدخل المنخفض لكي يتعلموا من معلمين في بلدان متقدمة، والعكس أيضا.
والضرورة الحتمية هنا واضحة، حيث يتعين على زعماء العالم أن يتعهدوا بتحسين جودة التعليم وتضييق فجوة التعليم من خلال زيادة الموارد المدرسية وتحسين كفاءة المؤسسات التعليمية واغتنام الفرص التي يقدمها الإبداع التكنولوجي. وسوف يعمل كل هذا على إثراء رأس المال البشري الذي يشكل ضرورة أساسية لتعزيز الإنتاجية والدخول.
وإذا تم تصميم مثل هذه الجهود خصيصا بحيث تضمن تكافؤ الفرص للجميع، بصرف النظر عن الجنس أو الثروة، فإن هذا يجعلها بمثابة نعمة للاقتصاد العالمي، في حين تعمل على تعزيز التماسك الاجتماعي على المستوى الوطني. وعندما يتعلق الأمر بتحسين التعليم، فلا يوجد جانب سلبي نستطيع أن نتحدث عنه حقا.
_______________
* أستاذ الاقتصاد ومدير معهد البحوث الآسيوية في جامعة كوريا، وكان كبير مستشاري رئيس كوريا الجنوبية السابق لي ميونج باك للشؤون الاقتصادية الدولية
المصدر : الجزيرة نت