حظر الحجاب يدفع النساء المسلمات في فرنسا نحو العمل من المنزل
في كل يوم، تقوم مريم بلمختار بتحويل غرفة الجلوس في منزلها إلى ورشة عمل. فتقوم بوضع المعدات على الطاولة، واستخدام قفازات مطاطية لعمل أكياس من الحلوى تحمل شعارا مميزا.
تعيش بلمختار (البالغة من العمر 39 عاما) في كومبين، بشمال فرنسا، وتدير موقع Candine الحلال، حيث تبيع الحلوى التي لا تحتوي على جيلاتين الخنزير والتي تلتزم بالقواعد الغذائية الإسلامية.
بلمختار التي درست اللغات، كانت تعمل كسكرتيرة في مختبر، إلا أنها وجدت أن هذا العمل الجديد هو السبيل الوحيد لكيلا تضطر إلى خلع الحجاب عند مغادرة المنزل كل صباح. فلديها عائلة، وهي في حاجة للعمل، لكنها سئمت كونها مضطرة لنزع حجابها فاستقالت من وظيفة السكرتيرة قبل عامين وبدأت في بيع الحلويات. وقالت إن ذلك يسمح لها بالالتزام بالشعائر الدينية، مثل الصلاة خمس مرات في اليوم في أوقات الصلاة، بدلا من الاضطرار إلى تجميع الصلوات وأدائها في المساء.
كان البرلمان الفرنسي قد أقر عدة قوانين حول متى وأين يمكن للمرأة ارتداء الحجاب. وفي مارس 2004 منعت العاملات في المدارس من ارتداء شارات أو ملابس تظهر الانتماء الديني. وفي أبريل 2007 تم تطبيق تلك القواعد أيضا على من يعملون في تقديم خدمة عامة. بينما لا تزال لا توجد قواعد محددة بالنسبة للشركات الخاصة.
بلمختار ليست استثناءًا، حيث اتجهت نساء مسلمات أخريات إلى الأعمال التجارية على الإنترنت. ولا توجد إحصاءات متاحة حتى الآن، ولكن من الواضح على الشبكات الاجتماعية أن المواقع الإلكترونية الصغيرة قد بدأت تنتشر.
قبل عامين، أنشأت أم البنات (وهو ليس اسمها الحقيقي)، التي تبلغ من العمر 35 عاما، موقعا لتسويق الملابس أساسا للنساء المسلمات أسمته “ياسمين”. وتبيع فيه العباءات، والأوشحة، وأغطية الرأس، والشالات والمنسوجات الصوفية. وتتسم جميع الملابس على الموقع بأنها طويلة وفضفاضة، وذلك تمشيا مع القواعد الإسلامية. كما أنه يقوم بإخفاء صور الوجوه في نماذج العرض تمشيا مع التقاليد الدينية التي تحظر أي تصوير للإنسان أو الحيوان.
كما تم طمس الوجوه أيضا على موقع الحجاب جلام. وهو موقع تديره مجلي ميجنن، البالغة من العمر 30 عاما، والتي كانت من الروم الكاثوليك ثم اعتنقت الإسلام قبل 11 عاما. وتقول إنها انجذبت إلى الإسلام من أصدقائها المسلمين في المدرسة الثانوية. وأنها بعد أن فهمت هذا الدين بشكل أعمق قررت أن تحدث تغييرًا.
تقول ميجنن، إنها بعد أن تدربت للعمل في مجال المبيعات، واجهت صعوبة في العثور على وظيفة تسمح لها بارتداء الحجاب. وأنها عملت لمدة ثلاث سنوات كمساعد مدرس في إحدى المدارس، ولكنها كانت مجبرة على الالتزام “المذل” بكشف رأسها. ثم عرضت عليها وظيفة في مركز اتصال، ولكنها لم يكن يمكنها أيضا ارتداء الحجاب هناك. وفي عام 2009 قررت ميجنن التخلي عن فكرة العمل، إلا أن شقيقها اقترح عليها أن تعمل لحسابها الخاص. وكان هذا ممكنا، فاستثمرت مدخراتها في إطلاق الموقع.
الرغبة في بدء عمل تجاري صغير راودت أيضا سيدة، البالغة من العمر 28 عاما، بعد ولادة ابنها. حيث وجدت صعوبة في شراء ملابس للصبي لا يوجد عليها صور لشخصيات من البشر أو الحيوانات. وفي عام 2010 بدأت سيدة مشروعها، حيث بدأت في بيع ملابس تحمل تصميمات زخرفية، أو اسم الطفل باللغة الفرنسية أو العربية. ثم تشعبت إلى ملصقات الحائط.
كانت سيدة قد حاولت أيضا العمل في شركة تقليدية، قبل إطلاق أعمالها التجارية الخاصة بها. حيث كانت مسؤول تنفيذي في شركة الخدمة. وبعد أن تلقت التدريب باعتبارها، مساعد مدير، وجدت أنها لن تكون قادرة على ارتداء ما تراه مناسبا، خاصة وأنها تعتبر الحجاب جزءا من “الالتزام الديني”.
في عام 2011 أطلقت مجموعة من نساء الأعمال المسلمات شبكة لتوفير الدعم لمشاريع جديدة في التعاملات الإلكترونية. وتضم شركة “أخوات” الآن أكثر من 100 عضو. وقد واجه مؤسسوها جميعا نفس الصعوبة في التوفيق بين الرضا الوظيفي والالتزام الديني. إيمانويل روي، البالغة من العمر 30 عاما، والرئيس المشترك للشبكة، وصفت حجم الإحباط الذي تشعر به النساء حينما يجدن أنفسهن غير قادرات على العثور على عمل يتكافأ مع مؤهلاتهن.
وتأمل فتح كيموشي التي تدير شركة كنز، وهو موقع للمستهلكين المسلمين، أن تساعد النساء المسلمات في زيادة النفوذ الاقتصادي للمجتمع الإسلامي، وحددت القطاعات التي ينبغي أن يركزن عليها وهي: الطعام الحلال، والتمويل، والسياحة، والأزياء، ومستحضرات التجميل، والمستحضرات الصيدلانية والألعاب التعليمية.
ويبدو أن النساء اللاتي يدرن تجارة إلكترونية قد استوعبن رسالة ميجنن ويحاولن تطوير جانب العرض، إلا أنهن تعملن على نطاق محدود جدا، فلم تقم أي واحدة منهن باقتراض المال من أحد البنوك، بسبب الحظر الإسلامي للربا.
ويبدو أنهن أكثر اهتماما بالتضامن من التنافس. بل إن بعضهن قد أصبحن أصدقاء، بعد تبادل النصائح عبر الشبكات الاجتماعية. كما يبدو أنهن جميعا في غاية السعادة باختيارهن. إلا أن ميجنن يغضبها هذا الحماس فتقول “إذا لم يرفضنا المجتمع لكنا قد ازدهرنا حقا”، وتضيف “نحن معزولات، ومهما فعلنا، فإن صورتنا لن تتغير. فنحن نساهم في المجتمع، وندفع الضرائب. ولكن لا أحد يعرف ذلك”.