مليونية الجمعة: الرسائل السياسية، والأمنية (شاهد عيان)
كشفت المظاهرات التي خرجت في انواكشوط نصرة لرسسول الله صلى الله عليه وسلم كشفت عن ملاحظات سياسية، وأمنية بالغة الدلالة، ربما فاجأت كثرين، وأحرجت آخرين.
فمن الناحية السياسية كشفت هذه المظاهرات فشل النخب السياسية، والحزبية في إقناع المواطنين، لأن عشرات الآلاف خرجوا دون تأطير من أي جهة، ودون دعوة من أي حزب، بل إن كل من شاركوا في مظاهرات أمس لا يعرفون بعضهم البعض، ولا يجمع بينهم سوى محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبلغة السياسة قالها سكان انواكشوط واضحة لا غبار عليها.. نعم نحن مستعدون للتظاهر وبكثرة، ولكن عندما نقتنع بذلك، شعارات المعارضة لم تقنعنا، ووعود النظام لم تغرنا، لكن المساس بنبينا حرك منا كل ساكن.
وهذه الرسالة السياسية ينبغي أن تفهمها الطبقة السياسية في إطارها، وربما كانت إطلالة رئيس الجمهوية على ألوف المواطنين الغاضبين، الذين اقتحموا قصره تدخل ضمن فهم تلك الرسالة.
أما الرسالة الأمنية التي لا تقل أهمية، والتي كشفت عنها مليونية الجمعة فهي: أن القصر الرئاسي ليس محصنا بما يكفي، وأن الإجراءات الأمنية هشة جدا، حيث بدا الأمن الرئاسي مرتبكا، وحائرا إزاء التعامل مع هذه الأمواج البشرية المتزايدة، كما أن قوات مكافحة الشغب بدت هي الأخرى في حيرة من أمرها، فاستخدام أي نوع من وسائل القمع يعني وقوع مجزرة دامية، وقد لا يحول دون بلوغ المتظاهرين هدفهم.
حاولت الشرطة، وقوات مكافحة الشغب أولا إبعاد الجموع الغاضبة عن بوابات القصر الرئاسي، لكنهم سرعانما فشلوا، وجرفهم الطوفان البشري، وأصبحوا جزء من المتظاهرين، تقدم المتظاهرون إلى خط الدفاع الأخير (بازب) ولم تستطع هي الأخرى الحد من زحف المتظاهرين، وبدأ عناصر الأمن الرئاسي في التراجع أمام آلاف المتظاهرين، في هذه اللحظة تحديدا وصل الخبر الذي وحده هو ما حال دون دخول المتظاهرين باحة القصر، والخبر يقول: "انتظروا قليلا سيطل عليكم رئيس الجمهورية ليخاطبكم بعد قليل" انتشر هذا الخبر في المتظاهرين انتشار النار في الهشيم، وهدأ من غضبهم.
وفعلا بدأت الاستعدادات اللوجستية لكلمة الرئيس، حيث وصلت شاحنة مكشوفة تابعة للأمن الرئاسي، كانت هي المنصة التي وقف عليها الرئيس ، ووزيره الأول، وبعض وزرائه، وبعد دقائق اعتلى المنصة (الشاحنة) المرافق الخاص لرئيس الجمهورية، وهو ما جعل المتظاهرين يتأكدون أن الرئيس قادم، وما هي إلا دقائق حتى اعتلى رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز المنصة، مرفوقا بالوزير الأول، ووزير الداخلية، والشؤون الإسلامية.
لكن المفاجأة كانت عندما استمر رئيس الجمهورية واقفا لنحو ربع ساعة في انتظار تجهيز مكبرات الصوت، ربع ساعة أمضاه ولد عبد العزيز واقفا، ينظر إلى المتظاهرين، ويتحدث إلى الوزير الأول أحيانا، ومستشاره للشؤون الإسلامية ولد أهل داوود أحيانا أخرى.
ثم تم تجهيز مكبرات الصوت، وتحدث الرئيس بعد طول انتظار، حيث قال:" بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.. أيها المواطنون شكرا جزيلا لكم على هذه الهبة لنصرة الإسلام .. أنا اشكركم تماما" ثم انقطع صوت المكبر،واستمر الرئيس يتحدث، لنحو دقيقتين، والمتظاهرون يصيحون .. "لا نسمع شيئا" انتبه الرئيس، وسكت، وبدأت محاولات إصلاح الصوت، استمرت لدقائق، وعاد الرئيس للأحاديث الجانبية مع وزيره الأول.
بعد نحو 10 دقائق عاد الصوت قليلا، ثم انقطع، ثم عاد، ليتحدث ولد عبد العزيز 3 دقائق، قال فيها: إن الشعب أدى واجبه، والدولة ستؤدي واجبها لنصرة الإسلام.. ووعد المتظاهرين، وحذر وسائل الإعلام من المساس بالإسلام.. ثم ودع المتظاهرين... وغادر، ليغادر بعده الآلاف، وقد اطمأنوا أن رسالتهم وصلت واضحة، وربما وصلت أيضا رسائل سياسية، وأمنية لمن يهمهم الأمر.
سعدبوه ولد الشيخ محمد