الفقيه ولد الزين: الإسلام دين سلام، والحق يهزم كل قوة(محاضرة)
ألقى الدكتور الشيخ ولد الزين ولد الامام مساء أمس الإثنين المحاضرة التالية خلال نشاط منظم لصالح الشباب بمقاطعة توجنين:
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلي الله علي النبي الكريم
مدخل لمحاربة التطرف العنيف فى الوسط الشبابي
من منظور إسلامي
الدكتور الشيخ ولد الزين ولد الإمام
الأمين العام لمنتدى الفكر الإسلامي وحوار الثقافات
مقدمة في أن قوة الحق أقوى من قوة القوة
قال شاعر بني العباس بيتا تناقلته الألسن وسارت به الركبان حتى صار مسلمة والمسلمات قضايا لا تقبل النقض ولا يتجه إليها الإشكال ..
قال ذاك الشاعر بيتا :
السيف أصدق إنباء من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب
بيض الصفائح لا سود الصحائف في متونهن جلاء الشك والريب
تقوم هذه المسلمة علي أن الظلم لا يدفع الا بظلم مثله وأن السيف لا ينفع معه الا سيف مثله
ولئن كانت الشواهد في ماضي البشرية وواقعها لا تنعدم للتأكيد علي صدقية هذه الفرضية إلا أن تاريخ البشرية كذلك بل ومنهج الأخيار من الرسل والأنبياء والمصلحين فيه من الشواهد ما ينقضها بل ويجعل خيار المسالمة حتي مع الأعداء هو الخيار الصحيح بل هو أشد إيلاما لهم من حد السيف ولعق السم الزعاف ..
بل إن هذا المنهج كان دائما أكثر جدوائية في تحقيق أهداف أصحابه في أحيان كثيرة ..
ألا يتذكر البشر المنهج الهابلي نسبة الي هابيل ويعترفون بكونه أقرب المناهج إلي التقوى والاستعلاء علي الشيطان ؟
ولماذا زكي القرآن الكريم هذا المنهج لو لم يكن يعتبره أرفع السلوكيات المحتملة في تعامل البشر فيما بينهم وهم في دار الابتلاء ؟
(لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) [المائدة : 28 ، 29
أي الرجلين بقي له ذكر في الآخرين وأي الرجلين باء بإثمه وباء بإثم كل من يقترف خطيئة مثله إلي يوم الدين ..؟
لماذا كان منهج السلم والصفح هو النموذج الذي سلكه أولو العزم من الرسل ؟
فهذا إبراهيم عليه السلام أجمع القوم علي رميه في النار ضحوة وأمام الملإ ثم جاءت خيبتهم بتدخل من رب العالمين ((67) قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70 [الأنبياء : 66 - 70]
ما ذا تظنون الرجل فاعل بالقوم ؟
ألم يكن بإمكانه أن يقود تمردا مسلحا لمقاتلة النمرود وقومه المجرمين ؟
لا تسعفنا الوقائع التاريخية بشيئ من ذلك .
إنما كانت ردة فعله موزونة بميزان الشرع والدين ..
لقد هجر القوم وما يعبدون وكان فعله ذلك أشد عليهم من كل قتال فتهاوت أركان ملك النمرود والي الابد ..
إن النموذج السلمي كان وحده كفيلا بصد الناس عن تلك الآلهة الزائفة ومن ثم تهاوي أركان الكفر وبقي إبراهيم ونهج إبراهيم مباركا في العالمين ..
في نفس السياق سارت دعوة لوط كلمة طيبة وهجر بعد استنفاد سبل المصالحة
((167) قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ (168) رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (169) فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (170) [الشعراء : 161 - 170]
وهذا تماما هو المنهج الذي سار عليه صالح مع ثمود الذين عقروا الناقة أمام عينيه ؟
ألم يكن بإمكانه أن يدافع عن ناقته لو أن تلك مهمته ؟؟
كان بإمكانه أن يقتل واحدا أو اثنين من الجماعة الذين أرادوا الكيد بناقته لو أن تلك مهمته ؟
لقد عقروا الناقة علي مرآي ومسمع منه فما ذا كان الجزاء
( (64) فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65) فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) [هود : 63 - 66]
إن مهمة الأنبياء والمصلحين البيان والبيان وحده ليحيا من حيي علي بينة ويموت من يموت علي بينة ..
وكان منج كليم الله موسي هو هذا المنهج عينه ..
كانت دعوة موسي سلمية الي أبعد الحدود وسيلتها الموعظة الحسنة والجدال بالحسنى
اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44) قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (45) قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46) [طه : 43 - 46]
كانت الرسل تسير علي خط واحد .. مسار واحدة ..
وهذا عيسي عليه السلام نموذج الصفح والموادعة من ضربك علي خدك الأيمن فأعطه خدك الأيسر .
ومع ذلك أوذي وأوذي بل هموا بقتله بل أشاعوا قتله ..
وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158) [النساء : 157 ، 158]
كان خاتم النبيين وإمام المرسلين محمد صلي الله عليه وسلم النموذج الاعلي في كل ذلك تتذكرون بلا شك قصته مع أهل الطائف ودعاءه الطاهر عندما ردوه خائبا وأرسلوا عليه صبيانهم يرشقونه بالحجارة حتي أدمي عقبه الشريف حيث كان يقول :
( اللهم إليك أشكو ضَعْف قُوَّتِى، وقلة حيلتى، وهوإني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تَكِلُنى ؟ إلى بعيد يَتَجَهَّمُنِى ؟ أم إلى عدو ملكته أمري ؟ إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك، أو يحل علي سَخَطُك، لك العُتْبَى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك ) .
ثم ما ذا كان جوابه لجبريل عليه السلام عندما جاء يخيره في الانتقام ؟
لو خير غيره لكانت مدينة الطائف أثرا بعد عين ...؟
قال /(فناداني ملك الجبال، فسلم عليّ ثم قال : يا محمد، ذلك، فما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين قال النبي صلى الله عليه وسلم : بل أرجو أن يخرج الله عز وجل من أصلابهم من يعبد الله عز وجل وحده لا يشرك به شيئا ) .
وبعد هذا كله ألا ترون هذا المنهج السلمي أصيل في الإسلام ؟
لقد قضي صلي الله عليه وسلم منتصف عمر الرسالة وهو في مكة يصلي في الكعبة وحوله الأوثان من كل مكان ..
هل هناك من هو أشجع منه ليكسر الأصنام لو أراد؟ هل هناك من هو أشجع من أصحابه ؟
أليس منهم أبو بكر وعمر وعلي وعثمان ؟ أتراه أخر ذلك خوفا علي نفسه أو أصحابه ؟
حاشاه من ذلك ؟.
إنما أخر ذلك حتى تتكسر أصنام النفوس ومن ثم تتكسر أصنام الأحجار ؟
2-- مكانة السلم فى المنظومة الاسلامية
إن كلمة السلم وضميماتها أصيلة في المنظومة الاصطلاحية في الإسلام .
فلقد استعملت كلمة السلم والسلام في الإسلام كتاباً وسنة في موارد كثيرة منها:
السلام من الأسماء الحسنى
إن (السلام) من أسماء اللـه الحسنى، قال تعالى: (هُوَ اللـه الّذِي لاَ إِلـه إِلاّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشّهَادَةِ هُوَ الرّحْمـَنُ الرّحِيمُ ( هُوَ اللـه الّذِي لاَ إِلـه إِلاّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدّوسُ السّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبّارُ الْمُتَكَبّرُ سُبْحَانَ اللـه عَمّا يُشْرِكُونَ ( هُوَ اللـه الْخَالِقُ البارئ الْمُصَوّرُ لـه الأسماء الْحُسْنَىَ يُسَبّحُ لـه مَا فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(1).
ويظهر القرآن الكريم قيمة السلام حين ينوه بأهميته في في سورة القدر
قال سبحانه: (إِنّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مّنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبّهِم مّن كُلّ أَمْرٍ سَلاَمٌ هِيَ حَتّىَ مَطْلَعِ الْفَجْرِ(3).
ثم إن لفظ (الإسلام) مأخوذ من مادة السلم والسلام، وذلك كتناسب الحكم والموضوع، لأن السلام والإسلام يلتقيان في توفير الطمأنينة والأمن والسكينة والتقدم، كما قال سبحانه: (الّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنّ الْقُلُوبُ(4).
وقبل ذلك وبعده فإن خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله وسلم) هو حامل حامل راية السلم والسلام، لأنه يحمل إلى البشرية الهدى والنور، والخير والرشاد، والرحمة والرأفة. وهو يحدث عن نفسه فيقول: »إنما أنا رحمة مهداة«(5)، وقد حدد القرآن الكريم مهمته فقال: (وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ رَحْمَةً لّلْعَالَمِينَ) .
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): »إن اللـه بعثني هدى ورحمة للعالمين…«(7)
و السلام هو تحية الإسلام
كما إن الإسلام جعل (السلام) شعاراً لـه واختاره تحية للمسلمين، حيث إن المسلم إذا التقى بمسلم قال: (سلام عليكم) أو ما أشبه ذلك من الصيغ المذكورة في باب السلام وأحكامه(8).
وتحية اللـه للمؤمنين تحية سلام: (تَحِيّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلاَمٌ)(9).
وتحية الملائكة للبشر في الآخرة سلام: (وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مّن كُلّ بَابٍ ( سَلاَمٌ عَلَيْكُم)(10).
وتحية المؤمنين بعضهم لبعض في الجنة هي سلام: {لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً ( إِلاّ قِيلاً سَلاَماً سَلاَماً}(11).
واسم الجنة دار السلام كما في الآية المباركة: (لَهُمْ دَارُ السّلاَمِ عِندَ رَبّهِمْ)(12)
وأهل الجنة لا يسمعون من القول ولا يتحدثون بلغة غير لغة السلام:
(لاّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلاّ سَلاَماً)(13).
وحتى جوابهم رداً على الجاهلين هو السلام: (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً)(14).
هذا المنهج السلمي هو الذي سار عليه سلف هذه الأمة في نشر الإسلام وفي التبشير بقيمه الخالدة
كان المصلحون والعلماء والأولياء يسيرون تبعا لهذا المنهج .
و لقد كان العلماء الذين جابوا البلاد شرقا وغربا يسيرون هذا السير
مكانة الحوار فى المنظومة الاسلامية
الحوار مع الآخر الكافر قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6
الحوار مع الآخر أهل الكتب { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64} [آل عمران: 64]
الحوار مع عامة اليشر عدم احتكار الحقيقة
{قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24} [سبأ: 24]
وهكذا يتبين ان المنظومة الاسلامية تدعو للحوار والتسامح
وأن غير ذلك شيهات ودعاوي وتشويه للدين الحنيف
انواكشوط 27 يناير 2019