المجالس الجهوية.. فكرة للتطبيق، أم شعار للاستهلاك السياسي ؟ (تحليل)
كشف الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز في خطاب ألقاه بمدينة النعمه يوم 3 مايو 2016 عن فكرة إنشاء مجالس جهوية للتنمية، تكون بديلا لمجلس الشيوخ، وروج النظام لهذه المجالس الجهوية كثيرا، حتى وصل الأمر بأنصار النظام إلى محاولة إقناع الشعب بأن موريتانيا ستصبح النرويج، أو اسويسرا بمجرد إنشاء هذه المجالس، وأكد ولد عبد العزيز في معظم خطاباته، وخرجاته الإعلامية بعد خطاب النعمه أن كل ولاية سيكون لها مجلس جهوي خاص بها، وهو منتخب من الشعب، ومقره في الولاية، بعكس مجلس الشيوخ الذي يقيم أعضاؤه في العاصمة.
ورغم ما أبداه بعض الخبراء في السياسة، والقانون، وعلم الاجتماع من صعوبة تجسيد هذه الفكرة على أرض الواقع في المجتمع الموريتاني، إلا أن النظام ظل يروج لها بقوة، واليوم، وبعد إجراء الاستفتاء الشعبي، وإلغاء مجلس الشيوخ، أصبح النظام يتباطؤ في انتخاب المجالس الجهوية، بل أصبحت أوساط النظام تتجاهل الحديث عنها، وكأن الهدف من إثارتها أصلا هو إقناع الشعب بالتصويت على إلغاء مجلس الشيوخ، وقد حصل ذلك.
يلاحظ المراقبون ذلك الحماس، والاندفاع، والتسرع الذي أبداه النظام لتنظيم الاستقتاء الشعبي، وكأنه مسألة مصيرية لموريتانيا، وأصر النظام على إجراء الاستفتاء في ظل ظرف سياسي محتقن، وظرف زمني صعب في نهاية موسم الصيف، وكأن النظام يريد استفتاء بمن حضر، لكن حماس النظام، واندافعه تحول إلى ركود، وجمود، فلم يتم الإعلان عن موعد لانتخاب المجالس الجهوية، وترك الأمر للشائعات من هنا وهناك، بل إن أوساطا في النظام تعمدت تسريب فكرة مفادها أن المجالس الجهوية ستقتصر على أربعة فقط، كل مجلس يضم مجموعة من الولايات، بدل مجلس لكل ولاية، وبعد أسبوعين من طرح هذه الشائعة في الساحة الإعلامية، والسياسية للتداول، جاء النفي الحكومي لها، دون استبعادها تماما، والتأكيد على أن هناك لجنة تدرس طريقة تجسيد فكرة المجالس الجهوية على أرض الواقع، وأن هذه اللجنة لم تقدم بعد أي مقترحات محددة، وهو ما يعني أن الحديث عن انتخاب هذه المجالس هو حديث غير وارد، فقد تراجعت إلى أسفل الاهتمام الرسمي، بعد أن كانت تحتل الصدارة قبل الاستفتاء.
ويرجع المراقبون عزوف النظام عن الحديث عن المجالس الجهوية إلى اكتشافه صعوبة، أو حتى استحالة تشكيل هذه المجالس، خاصة في ظل وضع سياسي هش داخل صفوف الأغلبية، التي تعصف بها الصراعات الداخلية، فرجال النظام تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى، كما أن النسيج الاجتماعي المعقد للمجتمع الموريتاني، يجعل من مجلس جهوي محلي عاملا سيذكي الصراعات القبلية، والجهوية، ويخلق من المشاكل للنظام ما هو في غنى عنه، ويذهب البعض للتأكيد بأن النظام حقق الهدف من المجالس الجهوية، وهو إقناع الشعب بالتصويت لصالح إلغاء مجلس الشيوخ، وحسابات الربح والخسارة في ظل معطيات اليوم تؤكد أن تنفيذ فكرة المجالس الجهوية سيكون مكلفا سياسيا أكثر من تجاهلها، على ذمة الدراسة، والتخطيط.
ومن المعلوم أن ولد عبد العزيز باتت تفصله نحو 20 شهرا على انتهاء مأموريته الأخيرة بموجب الدستور، وهو مهتم أكثر بتدبير هذه الفترة، بما يضمن له حسن الانصراف – إن هو أراد ذلك-، أو تهيئة الساحة لأي سيناريو يبقيه في المشهد، بشكل أو بآخر، ولو من باب من يسود ولا يحكم، وفي ظل المعطيات آنفة الذكر، يبدو أن المجالس الجهوية لن تر النور – على الأرجح- في ظل ما تبقى من مأمورية الرئيس ولد عبد العزيز، بل لا يستبعد البعض أن يتم التراجع عن هذه الفكرة في وقت لاحق، وكما وجد النظام مسوغات لتبريرها، وإقناع الناس بها، لن يعدم الحجج للتراجع عنها، فلكل مرحلة مقتضياتها، وضروراتها، فإذا كان تغيير الرموز الوطنية (العلم، والنشيد) أمرا متاحا، فإن التراجع عن مجالس جهوية لم توجد أصلا لن يكون بالأمر العسير.