ولد السييدي، وولد حدمين أي علاقة، ولمصلحة من ؟!ح2
ضمن الحلقة الثانية من التحقيق الذي يجريه موقع (الوسط) لكشف خيوط خطة التعاون والتنسيق السري بين الوزير الأول المهندس يحي ولد حدمين وحزب تواصل المعارض لتحقيق مكاسب للطرفين، نتوقف عند أبرز أضلاع المثلث الذي يشكل العمود الفقري في هذا المخطط، وهو رجل الأعمال، والسياسي البارز سيدي محمد ولد السييدي، فلقد ظل هذا الرجل أبرز دعامة لحزب تواصل بالشرق الموريتاني، وخاصة مقاطعة الطينطان، وأمن للحزب منصب نائب المقاطعة في البرلمان على مدى سنوات، والأهم من ذلك كون شعبية عريضة للحزب على مستوى هذه المقاطعة، بما ينفق من أمواله لصالح الفقراء، وبجهوده الطيبة في المنطقة، وقد شكل انسحاب ولد السييدي عن حزب تواصل، وانضمامه لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية ضربة قوية لحزب تواصل، ومكسبا مهما للنظام، هكذا نظر إليه الجميع للوهلة الأولى، وبدأ الجميع يتحدث عن تداعيات هذا الانسحاب مستقبلا.
قبل زلزال انسحاب ولد السييدي رسميا من حزب تواصل، حدثت هزات ارتدادية في شكل شائعات عن هذا الانسحاب، ظل الحزب ينفيها، ويقابلها ولد السييدي بالصمت، إلى أن جاءت اللحظة التي قرر فيها أن يعلن هذا الانسحاب في شكل بيان مقتضب، صدر بعد اجتماعات ماراتونية جمعت ولد السييدي برئيس الجمهورية، والوزير الأول يحي ولد حدمين، ولاحقا نظم ولد السييدي حفل عشاء سياسي بفندقه في انواكشوط، قدم فيه الرجل من عبارات الولاء للنظام، ولإشادة بالرئيس ولد عبد العزيز ما لم يهتدي إليه أكثر الداعمين للنظام، وبدى ولد السييدي كمن يريد أن يكفر عن ماضيه في تواصل، لكن حضور ولد السييدي في مشهد الأغلبية وداعمي النظام ظل باهتا، فلم ينظم الرجل أي أنشطة سياسية تذكر دعما للنظام، ولم ينشط بشكل كبير في حملة الاستفتاء الشعبي، رغم الإمكانات السياسية، والمالية للرجل، ولفهم خلفيات العلاقة بين ولد السييدي، وولد حدمين، وأبعاد العلاقة السرية التي يربطها الوزير الأول مع حزب تواصل سنتوقف عند النقاط التالية:
أولا: ظل الوزير الأول المهندس يحي ولد حدمين يروج أن انسحاب ولد السييدي من حزب تواصل كان بجهود شخصية من ولد حدمينن فهو - أي ولد السييدي- غنيمة لولد حدمين اغتنمها من معركته مع حزب تواصل، هكذا يروج ولد حدمين في أوساط النظام، وهذه الدعاية قزمت مكانة ولد السييدي الاجتماعية المرموقة، ووزنه السياسي الكبير، وصورته في شكل تاجر، يبحث عن امتيازات مالية لدى النظام، وليس رجل مبادئ، وصاحب سياسة ثابتة، هذا ما تركته دعاية ولد حدمين في نفوس البعض على الأقل.
ثانيا: كان حضور ولد السييدي في النظام أكثر من باهت، بعكس ما توقعه الجميع، فلم يكافئ النظام ولد السييدي على تضحيته بحزب تواصل، وتضحيته بصورته لدى جمهوره، تلك الصورة التي اهتزت بهذا الانسحاب، صحيح أن ولد السييدي رجل ثري، ولا يريد وظيفة ليكسب منها المال، فالرجل كان يتبرع براتبه كنائب برلماني لصالح فقراء الطينطان، لكن ولد السييدي في النهاية زعيم سياسي، يريد تعيين أنصاره، ومنحه امتيازات خاصة من النظام، تظهر للجميع أنه رجل مقرب من النظام، ويحظى بثقة الرئيس، وهذا ما لم يحصل، وهو ما يطرح السؤال المحير.. هل إن ولد السييدي نفسه لم يرغب في الحصول على تلك الامتيازات من النظام، أم أن النظام لم يشأ أن يمنح ولد السييدي تلك المكافأة المستحقة برأي البعض ؟؟!!.
ثالثا: ما بعد الانسحاب
وبغض النظر عن أي الاحتمالين حصل، فإن الأمر محير، ويؤكد أن الثقة الحقيقية لم تحصل بين ولد السييدي والنظام رغم ما حصل من انسحاب، وانضمام، وهذا ما عززته مؤشرات تثبت للبعض أن شعبية ولد السييدي ستظل تدين بالولاء لحزب تواصل، خاصة وأن جيوش تواصل على مواقع التواصل الاجتماعي، ومنابره الإعلامية لم تهاجم ولد السييدي بعد انسحابه من الحزب كما يفعلون مع أي قافز من سفينة تواصل، ما يعني أن مراكب العودة لم تـُحرق بالكامل، فبعد أسابيع من انسحاب ولد السييدي عن تواصل، نظم الحزب مهرجانا بمدينة الطينطان، وتوجهت الأنظار إلى المهرجان باعتباره دليلا، ومقياسا لمدى تأثير انسحاب ولد السييدي على شعبية تواصل في المقاطعة، وكان لافتا أن الحضور الجماهيري كان أكبر من مهرجانات تواصل الأخرى، وقد تأكد الجميع أن أنصار ولد السييدي حضروا المهرجان بكثافة، وهو ما زاد من حالة عدم اليقين التي كانت تنتاب النظام من انضمام شعبية تواصل في الطينطان بمجرد انضمام ولد السييدي للنظام.
الانتساب، والتنصيب..
يجمع كل المراقبين على أن عملية الانتساب لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية الأخيرة لا تشكل مقياسا صادقا لشعبية النظام، بدليل أن المليون ويزيد الذين انتسبوا للحزب كثير منهم صوتوا للمعارضة في آخر انتخابات، والحشد في الانتساب، والتنصيب هو حشد شخصي، وليس حشدا لصالح الحزب، لذلك فمهما كان حضور ولد السييدي، أو غيره لافتا في الانتساب، والتنصيب فهذا لا يثبت - بالضرورة- ولاءهم للنظام، ويبقى التصويت هو الفيصل في ذلك، وانطلاقا من هذه الحقيقة، فقد وجد الوزير الأول المهندس يحي ولد حدمين فرصته في اقتناص اللحظة ليظهر كرجل قوي سياسيا في الحوض الغربي (الطينطان، ولعيون خصوصا)، وكلف ولد حدمين ثلاثة رجال (ولد السييدي، وولد احمد سعيد، وولد سيد المين) بهذه المهمة، لكن بعض أنصار النظام، من المقربين من ولد حدمين رفضوا التعامل مع هذا الثلاثي، ويؤكدون في مجالسهم الخاصة أنهم مقتنعون أن هذا الثلاثي سيصوت في النهاية لحزب تواصل، ولن يضيعوا وقتهم في العمل معه، وقد أدى هذا إلى انشقاقات في حلف ولد حدمين، وتشكيلهم أقطابا أخرى، حتى وإن ظلت داعمة للوزير الأول لكنها رافضة للمخطط الذي يقوده الثلاثي السابق الذكر، ومن بين هؤلاء السيناتور شيبة ولد خوياتي، والإطار ولد معاذ، وغيرهما.
وكخلاصة لما سبق، يمكن القول إن الوزير الأول سيظهر بمظهر الرجل الحاضر بقوة في الطينطان، وبعض مناطق لعيون عبر الثلاثي الذي ذكرنا، وسيحصدون له عددا معتبرا من الوحدات القاعدية، وهو ما قد يشكل خديعة للنظام عندما يعتقد الرئيس أن هذه الوحدات تعكس حجم شعبية ولد حدمين في المنطقة، لتكون المفاجأة الكبيرة يوم التصويت، عندما يصوت هؤلاء لحزب تواصل، فلا ينبغي أن نتجاهل أن هذا الثلاثي هو في النهاية تواصلي ختى النخاع، فولد السييدي بنى رصيده، ومجده السياسي تحت خيمة تواصل، وولد سيدي المين يستفيد من السمعة الطيبة، والشعبية المهمة التي بناها شقيقه المرحوم سيد احمد ولد سيد المين، وهو الرجل المنفق، صاحب الأيادي البيضاء في المنطقة، وقد كون شعبية مهمة لحزب تواصل، شكلت تركة سياسية يعتمد عليها شقيقه النائب سيدي عالي اليوم، أما رجل الأعمال عمر ولد احمد سعيد فهو شقيق نائب الطينطان عن حزب تواصل، ومجموعته معروفة بتصويتها لهذا الحزب، لذلك فالمخطط مكشوف للنظام قبل غيره، والأكيد أن المتضرر الأبرز هو ولد السييدي، الذي يحظى بعمق اجتماعي كبير في مقاطعة الطينطان، ولديه سمعة طيبة لدى الجميع، ويمتلك مؤهلات مالية معتبرة، وهي مقدرات كفيلة بأن تضمن له حضورا سياسيا مشرفا له، ولمجموعته، دون الحاجة للدخول مع الوزير الأول في مغامرات غير محسوبة.
لذلك فمهما طالت، أو قصرت رحلة الانتجاع السياسي لهذا الثلاثي الذي يعتمد عليه ولد حدمين، ومهما أظهروا من ضروب الولاء للنظام، حد التصوف فإن لسان حالهم يبقى يردد مع القائل:
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى @ ما الحب إلا للحبيب الأول
يتواصل...