الصراعات تفتك بإذاعة موريتانيا، بعد تحولها إلى "مبادرة" (خاص)
منذ وصوله السلطة، قرر محمد ولد عبد العزيز فتح باب الإعلام، والحريات الفردية والعامة على مصراعيه، وحول قناة الموريتانية، وإذاعة موريتانيا إلى مؤسستين للخدمة العمومية، بدل وسيلتي إعلام تابعتين للسلطة ناطقتين باسمها حصرا، وقد واكب هذا التحول تطورات هامة شهدتها التلفزة، والإذاعة، وتم استحداث قناة، وإذاعة القرآن الكريم، في حين شهدت "الموريتانية" قفزة نوعية في الأداء، والجوانب الفنية، وهو ما جعلها تتربع على صدر القنوات التلفزيونية الوطنية من حيث معدل المشاهدة.
لكن من الملاحظ أنه منذ تعيين الشاب عبد الله ولد حرمة الله على رأس الإذاعة تحولت هذه المؤسسة العريقة إلى بؤرة للمشاكل، وحلبة للصراع وتصفية الحسابات، وساحة لعرض أحدث ضروب النفاق، والتزلف، والتصفيق المـُبتذل، الذي وصل حد إجبار عمال الإذاعة إلى الخروج في وقفات لمناصرة توجهات النظام، وهم الذين يفترض – نظريا- أن يكون من بينهم من ينتمي للمعارضة، ولا يضيره ذلك شيئا، لأن الإذاعة ليست للنظام، ولا هي ملك لولد حرمة الله، بل هي مؤسسة عمومية، ممولة من أموال الشعب الموريتاني، شأنها شأن مؤسسات الدولة الأخرى التي تفتح أبوابها لأبناء الشعب حسب الكفاءة والحاجة، دون مراعاة للمواقف السياسية الشخصية.
بدأت حرب ولد حرمة الله في الإذاعة بالعلماء، والقراء، وأعضاء المجلس العلمي لإذاعة القرآن الكريم، وقناة المحظرة، وتم التضييق عليهم، ووصفهم بأنهم "دواعش" وأن إنشاءهم أصلا كان خطأ، قبل أن يتم طرد بعضهم، واسترضاء البعض الآخر بعد تنامي احتجاجهم، وهو ما انعكس على المسطرة الرمضانية الأخيرة، وقد توالت بياناتهم، ومناشداتهم لرئيس الجمهورية التدخل لإنقاذ المشروع، لكن أخطر ما في الأمر هو أن تتحول مؤسسة كالإذاعة الوطنية إلى شركة خصوصية لمديرها، يعزل منها من يشاء دون حقوق، ويكتتب من يريد حسب هواه..!.
إن إقدام ولد حرمة الله مؤخرا على طرد موظفين في الإذاعة، ومضايقة آخرين، وإجبار البعض منهم على الاستقالة بسبب تدوينة هنا، أو مداخلة هناك، او حتى بسبب مجرد امتناعهم عن مسايرة نهجه الهادف إلى تحويل الإذاعة إلى "مبادرة سياسية" مهمتها إظهار الدعم للنظام، كل تلك الممارسات تدمر مصداقية الرئيس ولد عبد العزيز، وتقوض شعاراته التي يرفعها، وتضع النظام برمته في حرج شديد، فالإذاعة باتت منشغلة عن تغطية الأحداث الوطنية الكبرى، والاهتمام بمشاغل المواطن، وإنتاج مادة إعلامية مفيدة له، منشغلة بدل ذلك بمعاقبة هذا الصحفي المشاكس، أو طرد ذاك الفني العنيد، أو تنظيم مهرجان جماهيري لدعم التعديلات الدستورية، أو مسيرة لعمال الإذاعة لأغراض سياسية، وهي ظاهرة لم تشهدها الإذاعة منذ نشأتها قبل الاستقلال، حتى في فترة حكم ولد الطايع لم تتفتق عبقرية مديري الإذاعة عن أصناف التزلف، والتملق التي جادت بها قريحة ولد حرمة الله.
والمعلومة المهمة التي تغيب عن ذهن ولد حرمة الله هي أن البقاء في المنصب في زمن ولد عبد العزيز لا يكون بإظهار الولاء فحسب، خاصة إذا كانت طريقة ذلك الولاء مضرة بالصورة العامة للنظام، فكم من موال مصفق مـُغال في ذلك جاءته الإقالة من حيث لا يحتسب، بل إن المدير يستمد مشروعية بقائه في منصبه من مستوى قدرته على تسيير مرفقه بطريقة هادئة، سلسة، لا ضوضاء فيها، ولا مشاكل، أما المؤسسة التي تتصدر يوميا عناوين الصحافة بصراعات مديرها مع موظفيه، فذلك المدير لا يستحق البقاء في منصبه، بغض النظر عن الظالم، والمظلوم، لأنه فشل في احتواء الوضع، وتسويته بطريقة تجعل مشاكل الإذاعة تبقى حبيسة جدرانها، بدل التراشق الإعلامي، وتغذية اللبوبيات.
ويبدو الرئيس ولد عبد العزيز اليوم بحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لترميم البيت الإعلامي، وتكليف من يملك القدرة، والإرادة لتسيير المرحلة الحساسة، ومواكبتها إعلاميا، وإذا كانت التوقعات ترجح "توزير" مدير التلفزة، فإن المعطيات تؤكد "توديع" مدير الإذاعة.
