المفوض في حضرة الصورة
لم يكن يخطر ببالي و أنا جالس في مكتب من مكاتب إدارة الأمن أن أرى "سيدي" المفوض يستجدي جماعة من الصحفيين من أجل محو صور من كاميراتهم ليس فيها ما يمس من أمن الدولة أو يحط من هيبتها، ولا ما يتعلق بفساد أجهزة الأمن، أو غير ذلك من الأمور الحساسة التي تكون عادة نقطة خلاف بين المصورين وعناصر الأمن ، ولكنها قوة الصورة التي أسقطت أنظمة عمر بعضها أكثر من ربع قرن، وتدفع أخرى على طريق السقوط.
" الصورة تخيف لأنها تفضح وتثير وتستفز، والإنسان يتوقف دوما أمام نسق المشهد منبهرا و مرتبكا عند حدود قوة لا يمكن مقاومتها، وحتى الكاميرا نفسها التي تقدم إلينا فرصة الانصهار في محتوى الصورة وتعليبها ثم إطلاقها ، تمثل لغزا يصعب تفسير ظاهرة الخوف منها وتجنبها."
ربما فات المفوض أن وسيلة الإعلام أفلتت من قبضة الرقابة وسلطة المصادرة إلى حد ما، ولم يعد جهاز المناعة الحكومي الرسمي يتمكن من الإمساك برقبتها والتحكم بأنفاسها، بل على النقيض من ذلك أصبح سكين الكاميرا يضغط على رقبة الحكومات بشكل أو بآخر.
" إن معنى الصورة في وسائل الإعلام بوجه عام والمرئية والمكتوبة منها بوجه خاص، أصبح مرتبطا إلى حد ما بمجموعة من العلاقات الداخلية والخارجية المعبرة عن الغاية من توظيف معطى الصور مع الحدث، و أضحت سابحة في فضاء المعنى مما يصعب الإمساك بحدودها و أبعادها ، إنها في الواقع جسر العبور نحو مرحلة حاسمة في مديات التفاعل بين المرسل والمتلقي، فإنتاج الصورة لا يتوقف اليوم عند حدود الحدث أو الواقعة في إطار توثيقها ، بل إنها أضحت تصنع الحدث وتعيد بناء تفاصيله ومتقدمة على إيقاعه ، حتى تبدو الصورة أنها واقعية أكثر من الواقع ذاته " .
عال ولد يعقوب