قبل الحديث عن قرار تقليص دعم أسعار المحروقات علينا أن نعرف هذا..
فور إعلان الحكومة اليوم تقليص المبالغ المخصصة من ميزانية الدولة لدعم أسعار المازوت والبنزين انطلق الجدل التقليدي حول هذه القضية الحساسة والشائكة، وسارع البعض إلى إعلان رفض هذا القرار ووصفه بالانتكاسة الخطيرة، في حين حاول آخرون تبرير القرار بشكل غير مقنع أحيانا، بينما لاذ فريق ثالث بالصمت تغليبا لمبدأ السلامة وتهربا من أقلام وألسنة أهل فيسبوك الذين يصفون من يتناول الموضوع بالمصفق للنظام والمبرر لقراراتها أيا كانت.وبغض النظر عن آراء الجميع -والتي تبقى محترمة في حدود القانون- فإنه ينبغي إنارة الرأي العام حول هذه القضية بشكل موضوعي وبلغة فنية بحتة بعيدا عن الاستغلال السياسي أو الدعاية الديماغوجية واختلاق الأزمات وركوبها، ولتبسيط القصة برمتها بشكل موضوعي ينبغي التطرق للنقاط التالية:أولا: تصحيح المفهوم..فما حصل لا يسمى قرارا من الحكومة بزيادة أسعار المحروقات، بل هو خفض للدعم الحكومي لهذه المادة، لتغطية عجز في الميزانية وتلبية لحاجات أخرى لا تقل أهمية للوطن والمواطن، فالحكومة كانت تدعم أسعار المحروقات ولا زالت تدعمها بالمليارات وما حصل هو فقط تقليص مبلغ الدعم.ثانيا:فكرة ومبدأ الدعم الحكومي لبعض السلع -مهما كانت حيوية- هي فكرة محل انتقاد من قبل الخبراء والمتخصصين في الاقتصاد، الذين ينادون برفع الدولة يدها عن جميع السلع وترك المجال للتنافس التجاري ضمن السوق المفتوح، فقد يخلق ذلك وضعا يصب في النهاية في صالح المستهلك أكثر من إنفاق الدولة مبالغ طائلة من ميزانية الشعب لدعم سلعة واحدة، ورغم ذلك ظلت الدولة تتحمل هذا الدعم المجحف.ثالثا:منطق المقارنة..نحن اليوم نعيش ضمن عالم يشبه القرية الواحدة، والمحروقات سلعة عالمية تُستهلك في جميع دول العالم، وأي تقييم موضوعي لتعاطي الحكومة معها ينبغي أن ينطلق من مقارنة أسعار هذه المادة في دول الجوار مع أسعارها في موريتانيا وسنجد أن وضعنا أحسن بكثير، وهو ما جعل البعض يستغل ذلك لتهريب المحروقات لبعض دول الجوار والاستفادة من هامش الربح الكبير الذي يوفره فارق السعر بين بلدنا والبلدان المجاورة.رابعا:بالمنطق السياسي..من المعلوم ضرورة أن الحكومة-أي حكومة- لا مصلحة لديها في رفع أسعار أي مادة، بل إنه بود الحكومة لو استطاعت توزيع المحروقات مجانا على المواطنين، لذلك فإن من يزعمون أن الحكومة اتخذت هذا القرار للإضرار بالمواطنين يجافون منطق الحقيقة وحقيقة المنطق، فالحكومة بالتأكيد مجبرة على هذا القرار بعد أن بات الخيار الوحيد، وحتى لو وصفه البعض بالقرار السيئ فالأكيد أن عدم اتخاذه كان سيقود لوضع أكثر سوء، لذلك ليس من الحصافة المزايدة على الحكومة في هذا الشأن، فالحكومة لديها كافة المعطيات وتنظر للصورة الكاملة من مختلف الأبعاد، بخلاف المواطن البسيط الذي قد تغيب عنه بعض التفاصيل والاعتبارات، ويصبح ضحية لحملة تضليل تبسط القضية وتختزلها بشكل مقصود لتخدم أجندة ضيقة.خامسا::الإيجابيات، والسلبيات.. لكل قرار إيجابيات وسلبيات علمها من علمها وجهلها من جهلها، وقرار تقليص الدعم الحكومي للمحروقات له بعض الإيجابيات مهما حاول البعض إنكار ذلك، ولعل من بينها:- تقليل حركة المركبات للحد الضروري، ولا أحد ينكر أن لدينا فائضا في السيارات-خاصة في المدن الكبيرة- مقارنة بعدد السكان، بل إن الاختناقات المرورية في الشوارع باتت أزمة في حد ذاتها تؤرق المواطنين وترهقهم وتستنزف وقتهم.- تشجيع المواطنين على التخلي عن سياراتهم وتسوية بعض المهام سيرا على الأقدام بما في ذلك من فوائد صحية وإحياء سنة المشي باعتباره رياضة صحية، ونحن هنا لسنا بدعا من دول العالم، فهناك مدن عالمية تخصص يوما في السنة بدون سيارات نهائيا وتتنفس تلك المدن هواء طلقا ويُمنع قيادة السيارات في تلك المدن طوال اليوم أو الساعة حسب ما هو مقرر.وختاما، هناك نقطة يتجاهلها الجميع في خضم هذا الجدل رغم أهميتها، وهي أن القرار الحكومي اليوم أدى في النهاية لزيادة سعر المازوت والبنزين بنسبة 30% تقريبا، بينما قام أصحاب سيارات الأجرة بزيادة أسعار التنقل داخل العاصمة بنسبة 100%!! ومع ذلك يحتجون على هذا القرار الحكومي رغم أنهم استفادوا منه في النهاية وبنسبة تفوق بكثير حجم الزيادة الطارئة على سعر المازوت والبنزين.والأكيد أن على الجميع(مواطنين، وسلطات) الانتباه لذلك، ومنع المضاربات ورفع الأسعار بشكل كبير بحجة زيادة سعر المحروقات، بحيث يُترك هامش ربح معقول للناقل والتاجر وفي المقابل تبقى أسعار السلع والخدمات في حدود المعقول.
من صفحة الأستاذ: سعدبوه الشيخ محمد.