اقرؤوا هذا قبل الحكم على تصريحات وزير التهذيب..
عندما تعمد إلى اقتطاع جزء من كلمة أو تصريح أو خطاب وتخرجه عن سياقه، يمكنك أن توجهه وتستغله لخدمة فكرة معينة أو إيصال رسالة بعينها حتى لو كانت مناقضة تماما لما قصده صاحب الكلام أصلا، ونحن المدرسون والإعلاميون ندرك ذلك جيدا أكثر من غيرنا.
أود هنا تسجيل الملاحظات التالية من موقعي كحاضر في المشهد، أقول ما أعلم، ولست متابعا من بعيد واقعا تحت تأثير الكلام المجتزأ المبتور من سياقه.
أولا:
أن يقوم وزير ما بالتذكير بالنصوص والضوابط المعمول بها، والتي تمنع استخدام الهواتف داخل المرفق أثناء ممارسة المهنة، فذلك لا يمكن اعتباره احتقارا للعاملين في القطاع، ومن يخلص إلى هذا الفهم يُحمل كلام الوزير ما لا يحتمل
ثانيا:
التصريحات الأخيرة لمعالي وزير التهذيب الوطني وإصلاح النظام التعليمي ابراهيم فال ولد محمد الامين جاءت ضمن حديث جانبي، رد فيه الوزير على مواطنة اشتكت إليه وهي غاضبة من بعض التصرفات والإهمال من قبل بعض المدرسين-والعهدة على السيدة- والوزير في هذا الموقف تعاطى مع المواطنة بما يقتضيه الموقف من حزم ليطمئن قلب السيدة، ولم يأت الوزير منكرا من القول وزورا عندما طالب بمنع استخدام الهواتف والانشغال بمواقع التواصل الاجتماعي داخل الفصول أثناء الدام، وهذه التعليمات صدرت سابقا عبر تعميم رسمي قبل وصول الوزير الحالي للوزارة، لذلك من غير المفهوم الاحتجاج عليها بأثر رجعي وبأسلوب لا يخلو من المغالطة والتحامل.
ثالثا:
صحيح أن الوزير -أي وزير- هو الشخص الأول المسؤول عن رعاية الموظفين التابعين لقطاعه، وصحيح كذلك أن الرفع من المستوى المادي والمعنوي للمدرسين يعتبر أولوية للوزير، لكن ما هو صحيح كذلك أن الحرص على تقديم خدمة تعليمية جيدة قدر المستطاع للتلاميذ، وضمان توفير بيئة عمل تسمح بذلك يشكل أولوية مطلقة للوزير، وإذا وجد الوزير نفسه في موقف يُضطر فيه للاختيار بين الانحياز للتلاميذ وحقهم في التدريس، والموظفين وحقهم في الاحتجاج والرفض لما يرونه غير مناسب لهم، فالأكيد أن الوزير سينحاز لمصلحة التلاميذ، دون أن يكون في ذلك شططا أو تعسفا بحق المدرسين، وهنا يكون القانون هو الفيصل، فالوزارة لن تقدم على أي إجراء غير قانوني بحق أي موظف، وإن هي فعلت فباب التظلم مفتوح على مصاعيه، لكن لا ينبغي لمنصف محاسبة وزير على صرامته في تطبيق الضوابط التي تم إقرارها لضمان بيئة تربوية هادئة وملائمة للتدريس.
رابعا:
معظم القطاعات الحكومية-أو كلها- في بدلنا والعالم تفرض شروطا وضوابط معينة تُلزم موظفيها بالتقيد بها، قد تكون هذه الضوابط متعلقة بالملبس، أو منع استخدام الهاتف أثناء العمل، أو منع التدخين... وغير ذلك، وليس في ذلك تعديا على حرية الموظفين، فالمؤسسة والقطاع من حقه فرض ما يراه مناسبا لصالح تأدية مهامه وتحقيق أهدافه، ما لم يخالف صريح نص قانوني، لكن الموظف في المقابل لديه حق الاستقالة أو ترك العمل إذا لم يكن مستعدا بالتقيد بالقوانين الناظمة لوظيفته.
خامسا:
يمكن لمن شاء أن يتهم بما شاء معالي وزير التهذيب الوطني وإصلاح النظام التعليمي ابراهيم فال ولد محمد الامين إلا تهمة ازدراء المعلمين والأساتذة، فتلك التهمة لا تنهض بحقه، بل أكثر من ذلك، فإن الوزير يكرر في اجتماعاته الداهلية بطواقم الوزارة احترامه وتقديره لمنتسبي التعليم، من أساتذة، ومعلمين، ومفتشين، وأطر، ويقول الوزير كذلك"أنا ضيف على هذا القطاع المهم، ويشرفني أن أعمل مع منتسبيه جميعا دون استثناء، فهم الأصل، وأنا بحاجة لدعمهم جميعا، والوزارة محتاجة لجهود جميع منتسبيها، وسأستقبل الاقتراحات من الكل، سواء عبر السلم الإداري المعهود، أو حتى عبر اللقاء الشخصي إن لزم الأمر، والباب مفتوح للجميع" انتهى الاقتباس.
سادسا:
إن المجاهرة بتعمد ارتكاب مخالفة التعليمات والتعميمات الإدارية (الطعميز) ليس بطولة ولا هو من الشجاعة في شيء، فأن توقفك إشارة الضوء الأحمر، ثم تشغل كامرا هاتفك وتوثق مشهد مخالفة لإشارة التوقف وتتبجح ذلك، فأنت بذلك تسيء على نفسك أكثر، وعندما يظهر طبيب جراح داخل غرفة العمليات أثناء إجراء عملية جراحية لمريض وهو منشغل بفيسبوك أو الواتساب، ثم يقول .. نعم ها أنا ذا داخل غرفة العمليات وأتصفح فيسبوك وتيك توك، ولتذهب تعليمات إدارة النستشفى وضوابط المهنة إلى الجحيم، لن يكون تصرفه هذا بطولة ولا مصدر إلهام لزملائه، وقسْ على ذلك التعليمات المتعلقة بممارسة مهنة التدريس، إلا إذا كان البعض يرى أن العليم هو "لحويط لكصير".
ملاحظة خاصة:
كتبت هذه التدوينة وأنا على يقين من أن بعض زملائي من المدرسين سيصبون جام غضبهم، وقد لا أنجو من سهام الشتم والتجريح والتخوين، لذلك أطالب الجميع باحترام آراء الجميع، فحق الاختلاف مكفول، وجُرم السب والتخوين مرفوض.
من صفحة:الأستاذ سعدبوه الشيخ محمد على فيسبوك.