الانتخابات..خطأ المنسقية الفادح، ورهانات النظام الخاسرة (تحليل)
تعتبر الانتخابات الحالية الأكثر إثارة للجدل في موريتانيا منذ بدء المسلسل الديمقراطي مطلع التسعينات، وكشفت هذه الانتخابات عن مفاجآت، ومفارقات غريبة تحدث لأول مرة.
أول هذه المفاجآت هي أن الحزب الحاكم تعرض لنكسة كبيرة في مدن كانت تعتبر معقلا لحزب الدولة بغض النظر عن النظام، كما كشفت هذه الانتخابات عن تنامي الوعي السياسي لدى الموريتانيين، وازدياد الاهتمام بالشأن السياسي، حيث تفاعل المواطنون مع نتائج هذه الانتخابات بشكل فوري، وكبير، وشاهدنا ذلك في شكل مسيرات فرح بالفوز، أو احتجاج على الهزيمة، في مناطق عديدة من الوطن، من النعمه شرقا، وحتى أطار شمالا، مرورا بروصو جنوبا، حيث يبدو أن المواطنين أخذوا زمام المبادرة، وباتوا ينتخبون من يريدون بغض النظر عن ما تريده السلطة، أو النظام، كما باتوا يدافعون عن أصواتهم باستماتة منعا لأي تزوير لها.
ولعل أكبر مفارقة كشفت عنها هذه الانتخابات هي أن المعارضة – بجميع مشاربها- حققت مكاسب كبيرة تفوق في كثير من المناطق مكاسب الحزب الحاكم، ومع ذلك لا يتردد البعض في القول إن الانتخابات "مزورة" فهل بات النظام يزور الانتخابات لصالح المعارضة؟!!
كما كشفت هذه الانتخابات عن دور حاسم للقبيلة، فبعد أن ظن البعض أن تأثير القبيلة قد تلاشى، خصوصا مع عدم اعتماد النظام الحالي على العامل القبلي –بعكس أسلاف- إذا بالقبيلة تطل برأسها بقوة، مؤكدة سيطرتها على مجريات الأمور، فالمرشحون الذين يحظون بدعم مجموعتهم القبلية حققوا نتائج طيبة، أما أولئك المغضوب عليهم من قبائلهم فتعرضوا لهزائم نكراء، ولم تغن عنهم مناصبهم، ولا أموالهم، ولا دعم النظام لهم شيئا.
ما يفرض على النظام إعادة النظر في تكتيكاتها، واستراتجياته بناء على الواقع الجديد، خصوصا قبل أشهر قليلة من الانتخابات الرئاسية.
أما الاستنتاج الذي كشفت عنه هذه الانتخابات فهو خطأ رؤية منسقية المعارضة، وضعف تبريراتها لمقاطعة الانتخابات، فالشعب الموريتاني أقبل بنسب كبيرة على صناديق الاقتراع ما يعني أنه غير مقتنع بدعوى "المقاطعة" كما حققت أحزاب المعارضة المشاركة في الانتخابات نتائج معتبرة، ما يعني أن "المقاطعين" ضيعوا فرصة ذهبية قد لا تعوض.
لكن النظام أيضا ربما وقع في خطأ كبير، عندما لم يحسن اختيار مرشحيه، ما دفع زمنه غاليا بعد ظهور النتائج، واعتقد النظام أن بإمكانه فرض مرشحين على مجموعاتهم بالترغيب، والترهيب، وهو ما ثبت فشلهن وكانت المعارضة المشاركة في الانتخابات أكبر الرابحين.
ويرى العديد من المراقبين أن زلزال نتائج الانتخابات، ستكون له هزات ارتدادية، ينتظر أن لا تتأخر كثيرا، فحملة الرئاسية يفترض أن تبدأ من الآن.