ورقة تعريفية عن أسرة أهل عيسى..
سيدي يحي ولد لأحمدنا
بسم الله الرحمن الرحيم
و صلى الله على النبي العربي الأمين
وبعد
قد طلب مني بعض الأخوة من أبناء العمومة أن أكتب لهم نبذة تعريفية عن أسرة أهل عيسى و تقديرا لواجب إجابة الطلب و أمام المشاغل و ضيق الوقت لم أجد بدا من اللجوء لما بين يدي بصفة خاصة من مخطوطات حملتها الأيام شيئاما عن تاريخ الأسرة دون قصد تدوين هذا التاريخ أو إضاءة جانب من جوانبه وإنما هي مما جرت به العادة أو دعت إليه حاجة التواصل و التعاطي بين الناس كالمراثي و الرسائل و الفتاوى و ما في معنى ذلك من وثائق و مخطوطات وقد يعن لي أحيانا أن أعتمد على ماأذكر من مرويات شفوية تختزنها الذاكرة الجمعية للمجتمع المحيط و تتناقلها الألسنة بدرجة تجعلها من الحقائق التي لا يجد الشك إليها سبيلا و على أي حال تبقى هذه الورقة مجرد حديث أخ لأخيه لا تحمل من معاني العمل الأدبي سوى صفتي الصدق و الموضوعية.
أسرة أهل عيسى
يطلق هذا الاسم علما على أبناء محمد الأمين بن عيسى بن أسليمان بن الطالب أعمر بن الطالب عبد الله بن المختار بن عبد الله السايح بن المختار بن أحمد بن ما يمتس بن أجبرك بن سيدي يجيىرحمة الله عليهم أجمعين.
و تعد هذه الأسرة إحدى أسر أولاد المايمتس و أهل عيسى هو الاسم الذي عرفت به الأسرة على ألسنة الخاصة، و العامة و به شهرتها يقول الصوفي ولد أمخيتير اليعقوبي أحد شعراء المنطقة و أعلامها البارزين في قصيدته الطويلة التي مطلعها:
أهاجـــك أطـــلال بناصــفة الـــربض بحيث التقى النجــدان من جــانب العـــرض
إلى أن يقول:
فأنـــتم بــني عيســـى أجــــلة ذا الـورى و ملقى عصـــــا من كان يضـرب في الأرض
رفعـــتم بنـــاء المكــرمــــــــات مشيــــدا محـــامد في طــــول البـــــلاد و في العرض
خلطـــــتم مع الديـن المـروءة و الندى و بالسنة المنــدوب أيضـــــا مــــع الفـــــرض
جــرى سبقكم للناس في سابق القضابسابقــــة المعــــروف و الكــــرم المحــــــــض
تصـــونــون أعــراضا نـــقاوا من الخنــــا صيــــانة أم الطفـــــل عنمــــرض منـــــض
إلى آخر القصيد
الشيخ محمد الأمين ولد عيسى
هو علم من أعلام الأسرة التنواجيوية ولد في منتصف القرن التاسع عشر في ولاية الحوض الشرقي حيث نشأ أبوه عيسي أما الجد الأكبر سليمان فقد شب واخذ حظه من العلم وهو بين ذويه في كنف القبيلة تنواجيو كما تشير رسالة مؤرخة 1368 هـ كتبها حفيده خين بن احمد جيد لابن عمه أحمدن بن عيسي المذكور يقول فيها:
"خروج أبينا سليمان من القبيلة أتته قبيلة من أفضل الزوايا تلتمس البركة و التعليم و جعلته إماما و شيخا و قاضيا و لم يستقر لها حال دونه و ترك ذلك لذريته إلى الآن ".
وتجد الإشارة إلى أن هذه القبيلة هي قبيلة الطلابة، و كما غادر الأب الصالح عيسى هذه القبيلة حيث أدركه القضاء في ضواحي كيفه و دفن في مدفن بولنوار المعروف غادرها الابن محمد الأمين كذلك بعد أن أخذ من العلم بحظ وافر سيما علم كتاب الله تعالى كما سيشير إلى ذلك لاحقا القطب الرباني الشيخ سعد أبيه ولد الشيخ محمد فاضل في قصيدة طويلة يثنى فيها على الشيخ و يشيد بمكانة أسلافه العلمية و الروحية فيقول :
من نازع بن عيسى في القرآن فقوله يؤول للخسران
يعلم معدود كتاب الله رسما و لفظا ياله من زاه
ولا له من حجة صحيحة إذ ابن عيسى كامل القريحة
إلي أن يقول :
وراثة له من الآباء تفضلا من رافع السماء
إلى آخر القصيدة
وتنتهي بالشيخ محمد الأمين رحلته العلمية إلى حضرة الولي الصالح والقطب البارز الشيخ محمد فاضل بن مامين حيث يأخذ عنه الطريقة الصوفية قبل آن يهاجر لاحقا مع ابنه القطب الرباني الشيخ سعد أبيه إلى منطقة الكبله حيث عاش باقي أيام حياته الزاخرة بالعطاء المعرفي و إن غلب عليه الزهد و الانصراف للعبادة معلما لدين الله و داعيا إليه و منافحا عنه،أخذ عنه العلوم سالت على يده أول قطرة دم نزلت من جبين المستعمر الفرنسي الغاشم في حادثة شهيرة يذكرها الدكتور أزيد بيه ولد محمد محمود في كتابه الزوايا في مواجهة الاستعمار و يطول المقام بالشيخ محمد الأمين في منطقة الكبله فيهم بالرحيل إلى حيث الأهل و العشير و يشق ذلك على القطب الرباني الشيخ سعد أبيه فيستبقيه واعدا إياه بالمصاحبة و يصوغ ذلك في شعر رقيق ينم عن عاطفة جياشة اتجاهه :
نويت رجوعك للحوض إذ بلغت مناك بكل أرب
وفزت بنيل الوصول إلي كمال الجمال وأعلا الرتب
إذا بي لست أريد الفراق لأن الفراق شبيه السلب
فنار الفراق اشد على الــــــحجا من خلود بنار الحطب
ولاسيما والحبيب فتى لبيب أديب شريف النسب
إلى آخر الأبيات
ولعل هذا التعلق بالشيخ محمد الأمين من طرف خليله أجل العودة إلى حين ولم يلبث أن التحق به بعض أبناء عمومته و أقاموا في المنطقة حيث أنشأ محمد ولد محمد به في أبي تلميت محظرة قرآنية رائدة شكلت إضافة نوعية في تاريخ المنطقة المحظري فيما أقام محمد الب في الحيز الجغرافي لأسرة أهل عيسى و ولم يمهله الأجل طويلا و قد يكون لهذا التطور الجديد كذلك أثر كبير في هذا التأجيل إن لم يكن رحمه الله عدل عنها على إثر ذلك.
و في حدود سنة 1900 و في مدينة سنلوي و على ضفة المحيط يوارى الثرى جسدا لم تعلق به شوائب الدنيا و لا أدران الهوى هو جسد الشيخ الناسك محمد الأمين ولد عيسى و بعد أربعة عشر عاما من ذلك يتم نقله إلى الزيرة قرب كرمسين في قصة شهيرة شاهدة على صدقه مع الله في السر و العلانية إذ شهد الجميع ممن كان حاضرا يومها أن جثمان الشيخ ظل كما هو يوم دفن.
خلف الشيخ محمد الأمين ولد عيسى أثنين من الولد هما القطبان محمد فاضل ولد عسى و أخوه أحمدن و ثلاث من البنات و لم يكن الابنان بدعا من أسلافهم و أجدادهم فقد كان الابن الأكبر محمد فاضل عالما لا يشق له غبار و لا تأخذه في الله لومة لائم أسس محظرة كبيرة في منطقة الضفة قبل أن ينتقل إلى النمجاط بفعل علاقات الأسرة الاجتماعية حيث واصل التدريس و تفرغ له في محظرته في النمجاط التي أوردها المؤرخ المختار ولد حامدن في كتابه حياة موريتانيا عند حديثه عن مشاهير تنواجيو و محاظرهم.
أما أحمدن فقد كان فقيها و أديبا كما تشهد علي ذلك مراسلاته مع نظرائه و معاصريه في المنطقة أمثال المختار ولد أبلول و يحظيه ولد عبد الودود و غيرهم و تكاد فتاواه تعطيك صورة كاملة عن الحياة الاجتماعية في الفترة التي عاش فيها ويراوح أدب احمدن بين الوعظ و الإرشاد و وصف المشاهد و ملاطفة الخلان ناهيك عن الانتظام الفقهية و اللغوية و غيرها.
يقول رحمه الله :
تحـــرم بنت كل أنثى تحـــرم من غير خمس حلهــن يعلــــــم
ربيبــة ابن و ربيبـــــة الأب للأب و ابن حلتا في المذهب
وعمـــــــة وخـــالة بنتاهمـــــا تحــــل إن عقــدتــــا كلتاهمــــــــا
و بنت مملوكة الابن حلت عــلى أبيه عند أهـــــل الملــــة
إن تك معتوقة أو مملوكه لغيــره و أمهـــــا متروكـــــــة
و في أبيات أخرى :
بالله ما عشت شمر يا بن فاطمة و يا بن عيسى ليوم الغبن و الدين
مالي و مال ملاه الناس تلهيني و اللهو مبناه من شر الشياطين
أليس خوف إله العرش يشغلني عن الملاهي و خوف الله يلهيني
إلى آخر الأبيات
وكما اشرنا سابقا فإن هذه الأسرة نشأت في منطقة الكبلة منذ مقدم الجد الشيخ محمد الأمين ولد عيسي إلي هذه الناحية حوالي سنة 1865م . وتشعبت من رافدين كريمين نبعا من بحر تقوي وورع هذا الجد الكريم
ويعتبر الحيز الجغرافي للبئر المعروفة بالعارف والتي يضيفها بعض العامة لاسم الأسرة مجالا خاصا بها ويعود إنشاؤها إلي عقود خلت على يد أحد أعلام الأسرة والأوجه البارزة في المنطقة هو: الحضرامي بن احمدن
كما تجمع حاضرة البشري على طريق الأمل الأسرة" أهل عيسي" بأبناء عمومتها أبناء محمد سيديا ولد محمد ب ولد سليمان
تعيش الأسرة اليوم نفس الواقع التي تعيشه معظم الأسر المعاصرة نظرا لضرورة التمدرس التي فرضت الدخول إلي المدينة حيث ولج معظم أفرادها التعليم النظامي منذ بداياته فتشكلت كفاءات واطر عبر أجيالها المختلفة وظلت إلي جانب ذلك محتفظة بدورها كأسرة روحية لها مريدوها ودورها التربوي الإصلاحي المتميز.
كتبه سيد يحيى بن سعدبوه بن احمدن بن عيسى