كيفه/ "رجل بألف رجل "... منهم من قضى و منهم من ينتظر
في كل عصر هناك شخصيات قيادية تصدر عنها آثار معينة على الفرد والمحيط الذي توجد فيه، ويتمتع أصحابها بملكات خاصة لا يملكها إلا ما ندر من الناس، ولعل ذلك ما يفسر الاعتقاد السائد بين الناس بأن القادة يولدون ولا يصنعون.
و قد تميزت رجالات أجيال مدينة كيفه خلال العقود الثلاثة الأخيرة بظهور شخصيات شغلت الناس، و شكلت ظواهر متميزة في السياق السياسي، و في صنع الأحداث المحلية و إن اختلفت طبيعة شخصياتها القيادية، و سنذكر منها هنا على سبيل المثال – لا الحصر- بعض الرموز القيادية التي رغم رحيلها لا تزال صورتها حاضرة في أذهان الطبقة السياسية المحلية،وفي الذاكرة الجمعوية للمقاطعة.
1- ميشل فرجس (أول عمدة لمدينة كيفه)
ولد ميشل فرجس سنة 1939 في كيفه و ترعرع فيها’ دخل المدرسة عام 1946 وحصل علي شهادة الدروس الابتدائية, حيث التحق سنة 1958 بمدرسة الممرضين ب سينلوى ثم بعد ذالك بمدرسة الممرضين الدوليين ب داكار.
عمل المرحوم في العديد من المستشفيات و النقاط الصحية في ولايات الوطن, ثم سافر بعد ذالك سنة 1969 إلي كندا للدراسة في مجال تسيير المستشفيات لمدة 3 سنوات، بعد رجوعه سنة 1973 تم تعينه مسير للمستشفي الوطني بنواكشوط.
كانت حياته المهنية حافلة بالرفق بالمرضي و العناية بهم و التكفل بالمستضعفين و الأيتام أين ما قادته مهنته في جميع أنحاء الوطن.
يجمع الذين عاصروه بأنه كان الطيب (الأفضل) حيث يستطيب الكل مجالسته، و رغم أن الرجل اكتسب شهرته من خلال ممارسة الطب إلا أنه دخل معترك السياسة مع بداية الانفتاح السياسي مجبرا حيث قذفت به مقتضيات التوازنات المحلية نحو الميدان ليصبح أول عمدة لمدينة كيفه.
و يرى بعض رفاقه ممن التقينا بهم أن له شخصية ديمقراطية طاهرة القلب حسنة النيات تحب التواضع و تميل إلى التسامح، ومن أبرز ما تؤكده الروايات الدالة على ذلك أنه كان يركب سيارته مع بعض رفاقه ذات يوم من سنة 1986 متوجها نحو إحدى القرى في إطار حملته الانتخابية، و إذا بشيخ هرم أعياه التعب من المشي فتوقف بجانبه و عرض عليه أن يوصله،و في الطريق سأله عن نفسه قائلا " ماذا تقول في هذا الرجل الذي ترشح للبلدية و المسمى ميشل فأجاب الشيخ: أعوذ بالله قالوا بأنه " نصراني" و شرع يكيل الشتائم و يقدح فيه و كان ميشل ينظر إليه مبتسما حتى وصل الشيخ إلى أهله فأنزله و أعطاه مبلغا ماليا، و طلب منه أن يدعو له بخير، فدعا له،وقال له الشيخ: ولكن من أنت ؟ فلم يرد أن يتسبب له في الإحراج، و فضل حجب هويته ،وعندما انطلقت السيارة قال له بعض سكان القرية أتعرف الرجل الذي أوصلك؟ قال لا، و لكنه رجل من معدن نبيل. فقالوا له: إنه "ميشل" فأصيب الشيخ بصدمة وندم شديدين..
تحولت كيفه خلال مأموريته إلى قطب تنموي بفضل قدرته على بناء علاقات خارجية متميزة و جذب العديد من المنظمات الدولية وإن كانت اليد الخفية لأخيه جبريل ولد عبد الله الذي كان أيامها وزيرا للداخلية كانت حاضرة في هذا الميدان حسب بعض المراقبين.
ترك ميشل أثرا طيبا صنعته البشاشة و الكلمة الطيبة أكثر من أي شيء آخر.
2- محمد محمود ولد محمد الراظي (زواج النقابة و القبيلة ):
ولد ذات يوم من سنة 1943في بيت زعامة تقليدية في مضارب حي (الحلة ) قرب بئر "تزهريت" شمال مدينة كيفه، ولد تسمى بأسماء أجداده ،فجاء اسمه محمد محمود، آلت الزعامة التقليدية إلى والده وعمره سنتان.
دخل محمد محمود المدرسة الفرنسية سنة 1949، و درس في المدرسة رقم 1 حالا بكيفه، ولما أنهى دروسه الأساسية التحق بسلك التعليم وحول مدرسا إلى مدرسة "أندرنيه" التابعة الآن لبلدية هامد بمقاطعة كنكوصة وذلك سنة 1961. وكانت هي أول نقطة يعمل بها.
جمعت شخصية ولد محمد الراظي تناقضات كثيرة فالرجل خرج من رحم زعامة قبلية، و كان له حضور قوي يجمع بين الطيبة، والحزم، كما استطاع أن يوفق بين زعامة القبيلة ونضال النقابة.
سجل حافل بالتضحيات و العمل الحركي والنضال النقابي هو ذاك الذي يشهد به الزملاء و رفاق الدرب في الكدحة للراحل الحاضر محمد محمود ولد محمد الراظي.
كان المرحوم محمد محمود ولد محمد الراظي ذو بصيرة ثاقبة ودهاء سياسي قل نظيرهما في عصره، وذلك بإجماع من عاصروه الذين كانوا يرون فيه أخا و صديقا كريما، يداعب صغيرهم و يوقر كبيرهم، و بذلك جمع حوله كتيبة تقاسمت معه الحلو والمر، ونافحت عنه و عضدته حين عارض، و قدمته حين هادن،فجمع بين هيبة القبيلة و وقار القيادة وطيب المعاشرة.
شكل رحيله المفاجئ صدمة كبيرة لهؤلاء الذين افتقدوه كصديق قبل أن يكون زعيما... يتواصل
إعداد : عال ولد يعقوب