رفض الشيوخ التعديلات الدستورية: عناد أطفال.. أم موقف أبطال ؟
يقول زكي نجيب "لا الرفض المطلق الأعمى يُعد فكراً، ولا القبول المطلق الأعمى يعد فكرا، ففي الأول عناد الأطفال، وفي الثاني طاعة العبيد".
جاء اعتراض أغلبية أعضاء مجلس الشيوخ " المنتهية فترة مأموريتهم" على تمرير التعديلات الدستورية ليزيد من تعقيد المشهد السياسي الموريتاني، و ليضع حجر عثرة في وجه هذه التعديلات، و التي أثارت ولا تزال تثير جدلا كبيرا في موريتانيا.
و رغم كونها سابقة في تاريخ البلد، و مؤشرا على نضج ديمقراطي مبكر، و مع احترامنا لوجهة النظر التي ترفض التعديل الدستوري من حيث المبدأ، و خاصة ما يتعلق منه بالثوابت أو الرموز كالعلم و النشيد ،إلا أن هذا الرفض بمثابة " لغز" يثير فينا أسئلة عديدة حول الجدوائية العلمية المتوخاة منه؟ و الأسباب الموضوعية و الذاتية التي تفسره؟ و تأثيرات ذلك على التنمية السياسية في هذا البلد؟
رفض التعديل: غضب مصطنع .. أم ممارسة لحق متبع
في "ديمقراطية الزمر المتصارعة" يكون الحصول على الدعم السياسي عبر المحسوبية، و الولاء و تقديم المنافع، بسبب غياب توافق الرأي، الأمر الذي يخلق نظاما سياسيا يؤول في النهاية إلى صراع في المصالح الشخصية،" حيث الثروة، و النبل و الجاه و النفوذ، العوامل الرئيسية التي تتحكم في اكتساب السلطة السياسية في موريتانيا".
و مع أن معظم أعضاء هذا المجلس الموقر حصل على مقاعده عن طريق شراء الذمم، و بعضهم دفع ملايين لضمان أصوات المستشارين، فإنه من المنطقي أن " لا يرضى من الغنيمة بالإياب" بمعنى أن يقيل نفسه بنفسه دون أن يحقق منافع مادية، أو ضمانات شخصية تتيح له فرصا في المستقبل السياسي، الذي ترسمه بعض هذه التعديلات الدستورية.
رسالة -لا يبدو- أن الرئيس ولد عبد العزيز يريد أن يفهمها، خاصة أن الرجل تعود الاستجابة الفورية لطلباته، كيف لا و هو من جاء بالرئيس ولد الشيخ عبد الله إلى كرسي الرئاسة قبل أن ينقلب أحدهما على الآخر!
قراءة أولية توحي بأن هذا الرفض مجرد تعبير غضبي عن إقصاء متعمد، يرى الشيوخ أنهم تعرضوا له، و مما زاد الطين بلة الهجمة الإعلامية على هذا المجلس من طرف أعضاء في الحكومة ، وصلت حد الولوغ في أعراضهم، فيما أطلق عليه حينها " حملة شرح مضامين خطاب الرئيس".
لكنه أيضا استخدام لحق قانوني لتسجيل موقف "يصيب عصفورين بجحر واحد": تسجيل موقف تاريخي يحسب "غيرة على الدستور، و الوطن من العابثين" و تحقيق امتيازات مقابل الانسحاب المحتمل في شكل صفقة بالتراضي بين النظام و الشيوخ " المغاضبين"، في حالة ما إذا أصر الرئيس على المؤتمر البرلماني.
هل يشكل هذا الإجراء إضافة للتجربة الديمقراطية في البلد؟
من حق الرئيس أن يدافع عن آرائه و سياساته التي يعتقد أنها من ميول الأمة و رغباتها، و يستعمل وسائل الضغط و عدم الرضا و الإكراه لتمريرها، كما من حقه أن يقبل التعايش مع رفض الأغلبية لها - ولو إلى حين- ، و بغض النظر عن السيناريو الذي ستسير على نحوه التعديلات الدستورية، فإن هذه السابقة فتحت باب المعارضة داخل الموالاة لتحدث – ربما- نوعا من التوازن بين طرفي العملية السياسية، فكما هناك المعارضة الناصحة (كتلة المعاهدة) أصبح هناك أيضا الموالاة الناطحة (الأغلبية الرافضة).
يبقى أن نشير إلى أن نجاح أي مسلسل و عملية تطور سياسي لا بد قبله من تجاوز معوقات من أهمها: أزمة الشرعية، وأزمة الهوية، وقدرة الحكومة على التدخل ، و توزيع المزايا الاقتصادية، و الاجتماعية بشكل يضمن استفادة أكبر عدد من المواطنين .
عالي ولد يعقوب.