خبير الشأن الإفريقي، ولد الشيخ سيديا يكشف خبايا علاقات السينيغال بموريتانيا
خضع البلدان موريتانيا والسنغال لسلطة استعمارية واحدة ظلا تحتها دولة واحدة بعملة واحدة ونظام سياسي وجغرافي وإداري وتعليمي موحد، تخرج جيل من البلدين من ثانويات سين لوي أو اندر كما يحلو للبعض تسميتها هنا وهناك، وابتدائية سبيخوتان وإعداديات داكار.
نالا استقلالهما في نفس الفترة وحكمهما جيل سبق وأن احتك ببعضه البعض.
إن عدنا قليلا إلى الوراء قبل الاستعمار، نرى حركة الأئمة (ألمامي) ونفوذ إمارات والو والترارزه ولبراكنه وادوعيش على ضفتي نهر السنغال شكلت إرثا تعالقيا باديا. حيث كانت مراكز التبادل التجاري والثقافي مثل ماتام ودگانا وامبويوه على طول مجرى النهر حية على مدى قرون.
واستظل المجتمعان بدين الإسلام في نفس الحقبة، حيث من المعلوم أن الإسلام في نسخته السنغالية صوفي الذوق مالكي المشرب مغربي المظهر، وقد ظلت قراءتا ورش وقالون وخط النسخ مثولاً حتى الآن في كتاتيب البلدين.
انقسمت البلدان الإفريقية المستقلة عن فرنسا حول استقلال موريتانيا ومطالبة الملك المغربي الراحل محمد الخامس بها إلى قسمين، مجموعة الدار البيضاء ومجموعة مونروفيا، وكانت السنغال إلى جانب استقلال موريتانيا عن فرنسا ضمن (مجموعة مونروفيا)
ازداد التعاون والتنسيق بين البلدين وبين الرئيسين المؤسسين سينغور والمختار،حتى بلغ الأمر ببعضهما النزول عند رغبة البعض ونصحه والتنسيق معه ضد أو مع فرنسا، والأدلة كثيرة في ذلك، نذكر منها الطريقة الودية والمبسطة التي تم بها ترسيم الحدود في بداية السبعينيات، وكذلك كيف كان سنغور يهبط في انواكشوط بطائرته الخاصة فقط ليشرب الشاي مع "دادا" كما يسميه السنغاليون.
الطيران الفرنسي المقاتل المرابط في داكار حدث وأن تدخل الرئيس سنغور لدى الرئيس الفرنسي جيسكار ديستينه لإرساله لقصف أرتال سيارات البوليزاريو التي أرهقت المدن الموريتانية، وضللت باستراتيجية حرب العصابات التي انتهجتها؛ تكتيكات معظم الوحدات القتالية الموريتانية.
كما أن المختار كان صفيا لسنغور في عدم تشويش صداقات هذا الأخير مع الأوساط الصوفية في السنغال، وخصوصا مع خليفتي طوبى الشيخان محمد فاضل وعبد الأحد وشيخ كولخ الشيخ إبراهيم انياس الذي يعتبر مريدوه في موريتانيا من النخبة، وهؤلاء مشائخ ربطتهم علاقات وثيقة مع يمين مجرى النهر، وبطبيعة الحال لم يؤو نظام المختار معارضا لسنغور والعكس صحيح.
منظمة الدول المطلة على نهر السنغال التي أصبحت فيما بعد منظمة استثمار نهر السنغال، كانت من إفرازات صداقة الرجلين سنغور وداداه.
أنهى العسكر نظام الرئيس المختار، وخاف سنغور منهم على بلاده، خصوصا وأن النظام الجزائري الذي يحب عسكر موريتانيا حينها ويحبونه لم يكن يحب سنگور رغم يسارية هذا وثورية ذاك. ففكر سنغور في تجنيد موريتانيين من أصل إفريقي لإقامة دولة عازلة بين بلاده وبلاد "البيظان" كما يسمونها(گانار) فشكل جبهة تحرير فوتا ووالو وگيديماغا التي عرفت اختصارا ب "والفوگي" يغازل بها العرقيات السمراء الأصيلة في جنوب موريتانيا، فماكان من العسكر الموريتانيين إلا أن قرروا تسليح متمردي كازامانس من باب أن عدو العدو صديق.
ثم مالبثت داكار أن وجدت نفسها مأوى لمعارضين قوميين ويساريين وحتى وطنيين أفارقة، وغضت الطرف عنهم وتركت محاولت انقلابية دامية في انواكشوط عام 1981 تمر عبر أراضيها.
ومنذ ذلك الحين دخل البلدان في دوامة عتاب وغزل وشجار لم يسبق لها مثيل حتى قتل مواطنوهما في كلا البلدين في نهار رمضان من عام 1989 في أحداث مأساوية كانت شرارتها المعروفة حادثا عرضيا بين منمين ومزارعين في قرية حدودية، لكنها تراكم لسياسات حكومية وأخطاء ارتكبت على الضفتين، تركت أغوارا لم تسبر، وأظلت سماء البلدين غيوم حرب لأكثر من سنتين كادت أن تندلع خلالهما، وتم قطع العلاقات الدبلوماسية وإغلاق الحدود وتدخل الجيران والحلفاء حتى جلس الرئيسان معاوية وعبدو جوف ومعهما أمين الأمم المتحدة العام بطرس غالي في باريس، فادعى لهماهذا الأخير بأن ابنته مريضة وتركهما لوحدهما فوجدهما قد أقرا صلحا مايزال ساري المفعول يتضمن أساسا حمل مواطني البلدين لمبلغ يسير من المال وبطاقة تلقيح وبطاقة تعريف عند عبور النهر.
إثر تلك الأحداث اختفت معظم المحلات التجارية الموريتانية التي كانت في جل القرى السنغالية إلى الأبد ، وبدا الحرفيون السنغاليون خجولين في التواجد في المدن الموريتانية.
أصبح الوجود الموريتاني في السنغال أكثر حذرا ويكاد يكون محصورا في بعض الطلاب والمرضى وباعة الماشية والمنمين وطهاة اللحم ، كما أن السنغاليين في موريتانيا بعد أن تمت مرتنة قطاع الصيد التقليدي عام 2017 اقتصر وجودهم على حرفيي الأشغال العامة والميكانيكا والنقل الحضري وطلاب العلم الشرعي.
سياسيا شهدت عهدتا الرئيس السنغالي عبدالله واد انتعاشا ملحوظا في العلاقات بل ومتنفسا لانسداد مابعد انقلاب 2008 الذي أطاح بالرئيس سيدي محمد وجاء بالمجلس الأعلى للدولة؛ النسخة المصغرة من المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية الذي أنهى نظام الرئيس معاوية.
وليست العلاقات السياسية بعد واد على مايرام، خصوصا بعد الفيتو الموريتاني ضدالسنغال للولوج لتجمع دول الساحل، وبعد الإعلان عن إقامة ميناء عسكري موريتاني على بعد كيلومترات من مدينة سينلوي السنغالية، ميناء أفسد فرحة تحضير البلدين لتقاسم 30 مليار دولار من حقل الغاز المشترك.
يعتبر مراقبون موريتانيون أن السنغال أخطأت في حق موريتانيا أكثر من مرة بحكم تفضيلها للجار الجنب على الجار ذي القربى، ويرى مراقبون سينغاليون أن خصوصية نظام الحكم في السنغال واستقراره وديمقراطيته النسبية، تتعارض تماما مع حساسية نظام الحكم في موريتانيا من مخالفيه،حيث يعتبر ماكي صال رابع رئيس للسنغال ومحمد ولد عبد العزيز تاسع رئيس لموريتانيا رغم أنهما استقلا معا.
والثابت أن معظم الطبخات السياسية والأمنية في موريتانيا كانت قد أعدت فصولها في داكار أو الرباط منذ الاستقلال؛ وأن نظامي الحكمين في البلدين والشعبين تغيرا كثيرا وتغيرت نظرات كليهما للآخر وأصبحا أكثر قدرة على تفادي كارثة 1989 وأكثر وعيا بحل الخلافات المرحلية والحفاظ على الأهم.
صحيح أن حواجز اللسان والثقافة نمت وربت بعد انحسار الفرانكفونية في موريتانيا وهي الوعاء الألسني والمهني الذي جمع البلدين لقرابة قرن، وصحيح أن ديمقراطية علمانية بنفس صوفي معلنة في داكار ، قد لا تستطيع مسايرة أحزاب حاكمة في موريتانيا تتغير أسماؤها وإيديولوجيتها بتغير الحاكم.
جولة الحقوقي الدولي السابق ووزير خارجية السنغال الحالي في جيران السنغال؛ وخصوصا موريتانيا جاءت بعد شطط إعلامي كثيرا ما وقع؛ لكنه هذه المرة كان على وقع تنامي معارضة خارجية لحكم الرئيس ولد عبد العزيز لطالما حيكت لقاءاتها ومشاوراتها في داكار؛ وبقلم صحفي في وكالة الصحافة السنغالية.
مجلس الوزراء السنغالي شكر حؤول موريتانيا دون وقوع عمل مسلح لإخراج الدكتاتور الغامبي يحيى جامي من قصره بعد فشله في رئاسيات مشهودة، لكنه استأثر بغامبيا ما بعد جامي بشكل اعتبر في انواكشوط فجًّا.
أقلام ومنابر خيرة في البلدين بادرت إلى مسابقة الشر والشيطان بين البلدين؛ وسيكتب لمساعيها البقاء ما دامت رياح الجنوب تهب من سهول شمامه وفي الأرض منأى للكريم عن الأذى؛ ومحابر موريتانيا تعج بصبية سود الجلود بيض الخلائق كل همهم أن يغترفوٱ من معين أقرب مهبط للسان العربي وأقرب إجازة في كتاب الله جغرافيا منهم.
رحم الله محمدو جوف فبعد عشرين سنة من التعلم في بتلميت وصل إلى بيته في سين لوي ليجد أمامه منحة من الدولة السنغالية للتعلم في مصر، فكان يعود كل سنة على حساب أصدقاءه في السفارة الموريتانية في القاهرة؛ ومات في داكار فصيح اللسان دمث الأخلاق بيظاني الوجدان، ورحمة الله على روح الشيخ الخليل ولد احمد ولد الشيخ سيديا فقد حافظ لسنتين على متاع الخياط السنغالي الوحيد في بتلميت بعد ماسمي بعام التسفير، الذي يعجمه الكثيرون ب"التصفير"
المثل السنغالي يقول: إذا رأيت اللهب في كوخ جارك فانهض لأنك الوجهة الموالية.
والمثل الموريتاني يقول : الواعر الا الصالح؛ امّا الخاسر اهويين.
إنها سحابة صيف في سفر من أسفار الوجود كتبت لتنقشع ومرت لتعود ممطرة على وجنات المحبين والحيارى من شعبين كريمين ولدا للحب والدمع والدين...صدقوني.
اسماعيل ولد يعقوب ولد الشيخ سيديا.