كيف نتعامل مع تراث السيبة؟/ سيد ولد أحمد مولود
من المعلوم أن التراث الموريتانيَ مليءٌ بالقصص والأمثال الشعبية الخادشة للحياء والذوق العام، ما بين عبارة عنصرية، أو كلمة فاحشة ترفضها الأخلاق الرفيعة والقيم النبيلة، والأدهى والأمر من ذلك أنه من الصعب تنقيح التراث من هذه الألفاظ المَمجوجة، بَيدَ أن الطريقة السليمة والصحيحة في معالجة الإرث الثقيل لتاريخ السيبة، ليس في نبشه ونشره، فذلك ينكأ الجراح ويزرع الأحقاد، ولكن علاجه يكمن في الأمور التالية:
1 أن لا نسمح لهذه الثقافة أن تتسرب إلى المناهج التربوية أو وسائل الإعلام الرسمية أو غير الرسمية، أحرى أن يتلفظ بها شخص مسؤول، لما في ذلك من استفزاز الآخرين ودوس كرامتهم وجرح مشاعرهم.
2 أن يتجنب الآباء والمربون التلفظ بمثل هذه العبارات أمام الأطفال وضعفاء العقول، لأن من شأن ذلك أن يزرع فيهم الطبقية والعنصرية وسوء الأخلاق.
3 إنشاء برنامج تعليمي وتربوي تشرف عليه وزارات التعليم والثقافة والشؤون الإسلامية، ليُسهم في تنشئة الأطفال على الأخوة الدينية والوحدة الوطنية ونبذ العنصرية والطبقية.
4 المسارعة في بناء دولة القانون والمؤسسات، فبذلك وحده يصبح الإنسان في غنىً عن فئته وعشيرته، ويتخلص من العقد النفسة والشعور بالدونية.
5 القضاء على مخلفات الغبن الاجتماعي بالشروع في تنمية اقتصادية شاملة وعادلة، تفرض تكافؤ الفرص، وتقضي على البطالة، وتوفر خدمة تعليمية وصحية جيدة.
لقد سبق لإحدى القنوات الفضائية أن بثت برنامجا تحت عنوان (الناس بيظان والديگه ماه خالگه) وهو مثل شعبي يطلق على الهزل الذي لا يشوبه غضب ولا تشنج، لذلك يقولون لمن يغضب عند المزاح أو لا يتقن فنَّ الطرافة والتنكيت: (انت مانك متبيظن) وهذا المصطلح لا يقتصر على البيظان دون غيرهم، لكنه أثار غضب بعض الحقوقيين.
ونحن وإن كنا لا نعاتب إخوتنا من الفئات الأخرى - حين يطالبون بالإنصاف ونيل حقوقهم المشروعة - إلا أننا نعيب عليهم تفخيم وتفخيخ بعض الأخطاء العفوية، وإعطائها أكبر من حجمها أو تحميلها ما لا تحتمل.
وعلى أية حال، ينبغي تجنب هذا النوع من العبارات التي قد يُساء فهمها، فالعنصرية إذا صدرت من الجاهل فهي سوء تربية، وإن صدرت من المثقف فهي قبيحة، أما إذا جاءت من مؤسسة عامة أو خاصة فهي جريمة سياسية.
وإنه لحَريٌ بمديري مؤسسات الإعلام العمومي والخصوصي، حظر كل عبارة من شأنها أن تجرح مشاعر بعض الفئات الاجتماعية، سواء صدرت بطريقة عفوية أو متعمدة.
كما يَجمُل بمجتمع البيظان أن يكفر عن خطايا آبائه تجاه الفئات المظلومة تاريخيا بمزيد من العطف عليها والإحسان إليها.
وفي المقابل يجدر بهذه الفئات أن تستحضر الآية الكريمة (لا تزر وازرة وزر أخرى) وأن تقتدي بالأنبياء عليهم السلام حيث قال يوسف لإخوته بعد أن أسقطوه في البئر (لا تثريب عليكم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين) وقال رسولنا صلى الله عليه وسلم لكفار قريش الذين آذوه في عرضه وبدنه وقتلوا أصحابه وأخرجوهم من ديارهم (اذهبوا فأنتم الطلقاء).
وإذا كان بعض البيظان يستنكرون تطرف أفراد من الشرائح المغبونة تاريخيا، فعليهم أن يتذكروا عنصرية بعضهم قبل لوم إخوانهم من الفئات المهمشة، فكل شرائح المجتمع تضم الصالح والطالح والمتطرف والمعتدل...