أنصار حزب تواصل من الهجوم، إلى الدفاع
(النظام) بتعريض وحدة البلد، وسلامته للخطر، واليوم أصبحوا مرغمين على تبرئة أنفسهم من هذه التهمة. بعد موجة الانتقادات التي تعرض لها رئيس حزب تواصل الأستاذ محمد جميل منصور على خلفية مشاركته في مؤتمر حركة "افلام" المنعقد قبل يومين في انواكشوط، وجد أنصار تواصل أنفسهم فجأة في موقف الدفاع، وهم الذين طالما تبوؤوا موقف الهجوم، وكانوا دائما هم من يتهمون الآخرين
المنابر الإعلامية المحسوبة على حزب تواصل انبرت لممارسة مهمة الدفاع عن رئيس الحزب، الأستاذ محمد جميل منصور، المشهود له بالفصاحة في الكلام، والبلاغة في القول، والرجاحة في الرأي، بل إن جميل منصور نفسه لم يكل مهمة الدفاع عنه لأقلام تواصل، بل شارك هو في المهمة عبر تدوينة على صفحته، حاول من خلالها تبرير مشاركته في مؤتمر افلام، واصفا تلك الخطوة بالانفتاح المطلوب على مختلف الآراء، مع نفي تبني مطلب افلام بالحكم الذاتي، فالحضور لا يعني تطابق وجهات النظر.
وعلى هذا المنوال سار كل من دافع عن الأستاذ محمد جميل منصور، مع محاولات البعض الزج بالسلطات في هذه "الورطة" عبر القول إن مؤتمر افلام عقد برعاية أمنية رسمية، وكأنهم يريدون القول الشرطة، والحرس كانوا أيضا حاضرين لمؤتمر "افلام" فلماذا لا يتم اتهامهم بعدم الوطنية، والموافقة على تقسيم البلاد.
مسارعة حزب التكتل – شريك تواصل في المعارضة، وغريمه في نفس الوقت- إلى نفي مشاركته في مؤتمر افلام، أشعرت أنصار تواصل أنهم باتوا مكشوفين وحدهم، ومصنفين في خندق افلام، ولم يكن حزب التكتل مضطرا لنفي مشاركته في المؤتمر، بل كان يمكنه تجاهل الموضوع، من غير نفي أو إثبات، وبنفيه للحضور شارك التكتل في إحراج حزب تواصل، وربما وجدها سانحة، وهو الذي – أي التكتل- طالما تلقى ضربات من حليفه الغريم حزب تواصل، عبر فضاء الإعلام.
خطوة الأستاذ محمد جميل منصور هذه لم تكن محل جدل خارج الحزب فقط، بل أحدثت رجة داخلية في حزب طالما عرف بتماسكه،ووحدة موقفه حتى في أحلك الظروف، القيادي الشاب في تواصل المهدي ولد احمد طالب أعلن في بيان رسمي استقالته من الحزب،وعزا السبب لمشاركة رئيس الحزب في مؤتمر أفلام.
ومعلوم أن حزب تواصل من النادر أن يشهد انسحابات من صفوفه، ومن يقدم على القفز من سفينة تواصل يصفونه غالبا بأنه كان مجرد ضيف، ورحل، ولم يكل من التواصليين حقا، وربما يصدر هذا الوصف في حق المهدي ولد احمد طالب في القريب العاجل.
أنا شخصيا من المعجبين بفصاحة،وبلاغة الأستاذ محمد جميل منصور، وتعجبني أكثر سعة صدره، وتوازنه في المواقف، مقارنة بنائبه الأول، الذي كلما تكلم غضب، أو أغضب، ومع ذلك لا أخفي سرا أنني تفاجأت من رد جميل منصور على من انتقدوه لحضور مؤتمر افلام، حتى إنني كنت أشك في أن الأستاذ جميل هو من كتب تلك التدوينة الدفاعية، فأول مسوغ فيها قدمه الأستاذ جميل لتبرير حضور هو: " أنه تلقى دعوة للحضور فحضر" وكأن الدعوة في حد ذاتها تخفف من حرج الحضور، علما أن من يأتي لأي مؤتمر دون دعوة سيتم طرده عند الباب، ولو كان مجرد تلقي الدعوة مسوغا للحضور، فقد تتلقف جهات معادية هذا الخيط ويرسل مثلا حزب "الليكود" دعوة لشخصية موريتانية لحضور مؤتمره العام!!
النقطة الثانية التي برر بها الأستاذ جميل منصور حضوره هي: "كون حضور المؤتمرات لا يعبر بالضرورة عن التوافق مع أصحابها في المواقف"، وقد يكون هذا الكلام صحيحا إلى حد بعيد، ولكن ما هو صحيح أيضا أنه في علم السياسة الحضور، والغياب كل منهما يعتبر موقفا سياسيا، تماما مثل المشاركة، والمقاطعة، وإذا حضر أي زعيم سياسي نشاطا معينا فهذا يعني أنه على الأقل "يتعاطف" مع أصحاب ذلك النشاط بدرجة ما، حتى لا نقول يتفق معهم، ومن ينكر هذه الحقيقة يجهل مبادئ السياسة، أو يكابر في ذلك.
النقطة الثالثة التي سوغ بها جميل منصور حضوره هي "أننا لو عاملنا الناس بمنطق الاتفاق، والاختلاف فلن يحضر الأغلب دعوة الأغلب" لو كان الأستاذ محمد جميل منصور مثلا حضر حفل تنصيب رئيس الجمهورية لمأمورية ثانية قبل أسابيع، رغم اختلافه معه، ومعارضته له، لكان هذا المنطق سليما، ولكان حضوره اليوم لمؤتمر حركة افلام مفهوما، ومنطقيا.
التبرير الرابع الذي قدمه الأستاذ محمد جميل منصور لهذا الحضور هو قوله:" فيما يتعلق بالحكم الذاتي فقد أوضحت فيه موقفي لصحراء ميديا عندما سألتني و هو الرفض لأن موريتانيا أحوج لتوفير العدل لكل أبنائها و مكوناتها العرقية و الاجتماعية بدل تشريع الفرقة"
أعتقد أن من يقول هذا التصريح وهو جالس مع زعماء حركة دعت بحضوره لتقسيم البلاد، ولم ينكر عليها ذلك، هو تماما مثل من يذهب إلى عرس موريتاني تقليدي، ويجلس وسط "المرجع" ومع ذلك يقول: أنا لا أرقص، ولا أسمع "الهول" فذلك حرام... طيب، ولماذا أنت هنا إذا؟!!
خامسا قال الأستاذ محمد جميل منصور مدافعا عن حضوره:" إنه من المهم أن نفهم أنه ينبغي أن نستمع إلى الجميع و أن يسع الحوار الجميع فالإلغاء مفسدة مطلقة وقد يكون بعض دعاته أول ضحاياه عند التدقيق"
هنا خبر مهم، وربما سبق صحفي... فرئيس حزب تواصل يقول: إن الحوار يجب أن يشارك فيه الجميع مهما اختلفوا، ومع ذلك يرفض حزبه التحاور مع النظام إلا بضوابط، أو شروط معينة، رغم أن من يؤيدون نظام ولد عبد العزيز من الشعب الموريتاني قد يكونون أكثر من أنصار حركة أفلام.
أنا هنا لا أسفه الأستاذ جميل منصور، ولا أحكم على قراره حضور مؤتمر افلام بأحكام قاسية – كما فعل البعض- وإنما فقط أردت تدوين بعض الملاحظات حول هذا الموضوع، وتبقى أهم ملاحظة في هذا الخصوص هي أن رئيس حزب تواصل بحضوره لمؤتمر افلام نقل أنصار حزبه من موقف الهجوم، إلى موقف الدفاع لأول مرة، وهو تكتيك قد يكون له ما بعده.
سعدبوه ولد الشيخ محمد..