حديث الجمعة.. جدل الدين، والسياسة،والاقتصاد/ سعدبوه ولد الشيخ محمد
أثار قرار مجلس الوزراء تغيير عطلة نهاية الأسبوع جدلا على المستويات: الفقهية، والاقتصادية، بل والسياسية... فحتى قبل أن يجف حبر المرسوم الوزاري الذي جعل نصف يوم الجمعة يوم عمل، نقل عن الشيخ محمد الحسن ولد الددو كلام في هذا الموضوع، مفاده أن يوم الجمعة لا يمكن استبداله بيوم آخر، ولم يتضح على الفور ما إن كان كلام الشيخ الددو هذا فتوى شرعية، أم مجرد رأي شخصي، أم هو موقف سياسي.
وسريعا تفاعلت مواقع الإنترنت المحسوبة – برأي البعض- على التيار الإسلامي المعارض مع هذا القرار، وغصت صفحاتها بأخبار رفض هذا القرار،ومقالات الرأي التي تتحدث عن فضل يوم الجمعة، وكراهة، أو حتى حرمة العمل فيه، حتى إن أحد هذه المواقع كانت جميع عناوينه تتحدث كلها عن قرار الحكومة تغيير عطلة الأسبوع،ما بين خبر، ورأي، وهي مسألة نادرة الحدوث، أن يستحوذ حدث واحد على جميع العناوين المنشورة على الصفحة الرئيسة.
وفي المقابل استمات الوزراء في الدفاع عن هذا القرار، وشرح مسوغاته الشرعية، والاقتصادية، وكأن موريتانيا لا يحول بينها وبين الانضمام لنادي الدول الثماني الكبار سوى جعل يوم الجمعة يوم عمل ! أوكأن البطالة ستنخفض إلى ما تحت الصفر، بمجرد تغيير عطلة نهاية الأسبوع! وأنا شخصيا حضرت مؤتمر الوزراء ولا أكتم سرا إذا قلت إن تبريرات الوزراء لهذا القرار لم تقنعني بالمرة، ليس لعدم وجاهتها، بل لعدم ضرورة تغيير عطلة الأسبوع أصلا.
ولكن ما فاجأني في الحقيقة هو تلك الهبة الإعلامية غير المسبوقة التي قابلت بها منابر إعلامية، تتحد في الخط التحريري، وتتفق في المشروع الإعلامي قابلت بها هذا القرار، وحاولت تلك المنابر الإعلامية تصوير القرار كما لو كان " كفرا بواحا" وخيانة عظمى، وكارثة على الوطن، والمواطن، واستخدمت تلك المنابر الإعلامية السند الفقهي حينا، والملكة الخطابية أحيانا أخرى، والترسانة القانونية في بعض الأحيان،وتبارى كتاب هذه المنابر في الهجوم على هذا القرار، وإبراز سلبياته.
في حين كانت صفحات موقع التواصل الاجتماع "فيسبوك" مسرحا لهذا السجال حول الجمعة، والعطلة، والعمل، ولم تغب عن المشهد آراء من شخصيات سياسية معارضة للنظام، نددت بهذا القرار من منطلق رفض أي قرار يتخذه النظام من حيث المبدأ،ورأت تلك الشخصيات المعارضة في تغيير عطلة الأسبوع فرصة سانحة للهجوم على النظام، وحاولت العزف على وتر حساس ألا وهو المشاعر الدينية، وقدسية يوم الجمعة.
أعتقد شخصيا – وهذا رأيي – أن كلا الفريقين مخطئ، فلا الحكومة مقنعة في دفاعها عن هذا القرار، وما من ضرورة ملحة لتغيير عطلة الأسبوع، كما لا يتوقع جني أرباح – بلغة الاقتصاد- بتخفيض ساعات عمل الأسبوع بنصف يوم، فبعد أن كانت العطلة يومين فقط، تمت زيادتها بنصف يوم الجمعة، وتقليص ساعات العمل يؤدي بالضرورة لتقليص المردود الإنتاجي، بخلاف ما تدعي الحكومة.
وفي الطرف الآخر أعتقد أن قرار تغيير عطلة الأسبوع ليس أكثر خطرا على الوطن من تشجيع الحركات الانفصالية، أو التعاطف معها، ولا هو أشد ضررا من الحث على التفرقة، وزرع بذور الفتنة بين قبائل المجتمع، ونشر الأسرار العسكرية الحساسة، فتلك أمور كلها أجدر بالتنديد، والرفض من تغيير عطلة الأسبوع.
فهل هو دفاع عن الجمعة وحرمتها، أم هجوم على النظام بأي مبرر كان؟ وإذا كان من ينتقدون هذا القرار يتحججون بصلاة الجمعة، ويخشون أن يضايقها العمل، فلماذا لا يطالب هؤلاء ببناء مساجد، ومصليات في جميع الإدارات الحكومية، وبالأحرى لماذا لا يشيد هؤلاء مساجد في مقرات أحزابهم، ومنظماتهم،وهيئاتهم التي تبني المستشفيات، وتوزع الملايين؟!
إن الأيام كلها لله، ومن قال إن العمل المخلص ليس عبادة؟ ومتى سيستمر البعض في تنصيب نفسه وصيا على الإسلام وقيمه، وأقرب إليها من غيره؟ ولماذا يطالب البعض العوام بالأخذ بفتوى هذا العالم أو ذاك، وتقديسه حد "العصمة" والابتعاد عن فتاوي بعض العلماء الآخرين، والانتقاص من مكانتهم: تصريحا، أو تلميحا؟
هو إذا جدل عنوانه الجمعة، ويصعب استيضاح الفقهي، من السياسي فيه، ذلك أن السياسة عندنا لصيقة بالدين،وليس ذلك من محاربة العلمانية، التي تنادي بفصل الدين عن السياسة، بل هذه حالة خاصة لا يكاد المرء يجدها إلا في موريتانيا، ساسة يدعون القرب من الدين والحديث باسمه، وعلماء يفتون للسلطة، وآخرون يفتون للمعارضة بالنقيض في نفس النازلة، في نفس الظرف الزماني، والمكاني، وكل لا يعدم دليلا من الشرع،أو حجة من المنطق.