قلب الحقائق و دولة القانون / باباه ولد التراد
وبما أنه من المعلوم من الدين بالضرورة أن قلب الحقائق محظور، لذلك لا أحتاج هنا لسرد الآيات الكريمات ، والأحاديث النبوية الشريفة ، التى تحرم الكذب ، مكتفيا بالقول المأثور:
(نحن إلى تطبيق مانعلم ، أحوج منه إلى معرفة ملا نعلم )، متأكدا في نفس الوقت أن الدعاء "بالعلم والعمل به "الذي يحظى به عادة بعض الطلاب من أشياخهم وأمهاتهم ،كان دعاء جامعا ، وأن "العلم يتحقق أساسا بالدراية ، لابكثرة الرواية " ، ومع ذلك " فالصفة لاتسلب إلاضدها" ، أي أن العلم لايسلب إلا الجهل ، والكرم لايسلب إلا البخل ، والصدق لايسلب إلا الكذب.
غير أن الصدق يهدي للبر،خلافا لنقيضه ، وأن "عبادة الرجال منافع المسلمين"،
فما بال أقوام كتبوا عن قطاعهم ما هو مناف للحقيقة ، وظلموا من خلال ذلك عشرات الموظفين بدون سبب ، (فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ).
وبما أن هذا الأمر عظيم عند الله وعند الؤمنين ، فقد كان عمربن الخطاب رضي الله عنه يجلد شاهد الزور أربعين جلدة ، ويحلق رأسه ، ويطوف به في السوق.
وفضلا عن ذلك فإن الإبتعاد عن الحق لايمكن القبول به في ظل دولة القانون ، التي تقيم التوازن بين ضرورات السلطة ، وضمان الحقوق والحريات العامة ، مع اشتراط تبريرات منطقية ، توفر المصداقية ، والشفافية في أفعال الدولة .
وبما أننا نتعايش الآن محليا ودوليا مع كثير من هذه المبادئ التي جعلت من المجتمع شريكا مساويا للدولة ، ليس في الجانب المادي فحسب ، وإنما في الجانب الأخلاقي الذي تتم من خلاله مراقبة سلوك المسؤولين أثناء تأديتهم لمهامهم ، فعلينا أن لا نكون أقل حظا من مجتمعات متمدنة ـ لكنها لم تكن مسلمة ـ حاسبت وزراءها وأجبرتهم على الإستقالة بسب إخفائهم للحقائق وعدم الشفافية في التعاطي مع القضايا المتعلقة بقطاعاتهم ، لأن المسؤول الذي يقلب الحقائق أويكتمها ، حتى ولو كانت تحت الضغوط ، أوالإملاءات ، أو بسبب الحرص على منصبه ، ليس مؤتمنا على الوطن والمواطنين ، ومن كانت هذه صفته فعليه أن يستقيل أويقال من منصبه .