مهاجرون! (تدوينة)
أنفي صغير ومصاب بالزكامْ،ومع ذلك أجد ريح الوطنْ
إذا وصلَ الموريتاني لقمة الفخرْ،يقول لك أن أجداده قدموا من المغرب أو السنغال أو مالي أو القارة القطبية أو حتى جزر الكاريبي!
لا يهمني من أين أتى جدّي وأظنه أثناء انفصال القارات بقي على شاطئ المحيط يراقب طيور النورسْ،وقرص الشمس وإخوته وهم يبنون حضارة "المايا" في الضفة الأخرى قبل أن يعثر عليهم كريستوف كولمبوس!
هناك حبل سري من الألفة يربطني بهذه الرمال الصفراء وبتلك الجبال،أحب مصارعة الثيران ورقصة لفلامينكو وقصائد ابن زيدون تذكرني بابنة عمي وهي تأكل التفاح في حدائق قرطبة،والغروب يذكرني بأغاني قبيلتي في أعالي نهر "فولتا جالو"وسهول إفريقيا البعيدة وهم يستعدون للحصاد،والخناجر تذكرني بنظرات أعمامي في عدن قبل أن يأخذوا بالثأر من قاتل أبي،وجبال مكة كأنني أعرفها كأنني شاركت في فتحها وحطمت صنماً لبني أمية كان جدّي يقدم له القرابينْ،وأغاني "أيدير" تذكرني بزاوج جدّي الأمازيغي الذي كان مزارعا بين جبال الأطلس قبل أن يصبح جنديا في جيوش هنيبعل ليعود بعدها لصحراء غازيا ليتاجر بعدها بالذهب في مدينة "أوداغست"،وقد تزوجت حفيدته من عمّي وهو فارس عربي قح يعشق الصيد البري...هل فهمتم شيئا "معنه بعد من بنات فكري آن بعد مافهمت 5؟؟
راودتني هذه الهواجس في مجلس صغير كان أهله داخل كهوف "الأمجاد" يضيئون فيها شموع الفخرْ وبالصدفة وردتني رسالة نصية في غرف الدردشة يسألني فيها أحدهم سؤالاً رجعياً "أنت منْ منْ"؟؟
بينما كنت أنا أفتش عن شيئ مكتوب عليه "صنع في موريتانيا"،وأستمع للإذاعة بعد فرقة دهر،وكان فخامته يتحدث عن الوحدة الوطنية والسمك وشيئا من المليارات "ماحسبتو" كان منكفر بيه الإتحاد الأوربي والأمن القومي،لأرى منشوراً لأحدهم عن اعتقال بعض شبابنا في "أنغولا"،وددت لو كنت في المؤتمر الصحفي وسألت فخامته باللغة البرتغالية عن نسبة البطالة!!
مهاجرون!
لا تسألوني عن قبيلتي ومدينتي وأصولي،لكن اسألوا أحفادي سيخبرونكم أن جدَّهم خرج ذات يومْ مشمسْ من تلك الخطوط المتعرجة المرسومة في شمال غرب قارة الحزن،يبحث عن الخبز والشكولاته في مناكب الأرض،قبل أن يدركه الموت في مكان ما،ليعود جسده للوطن وينبت كزهرة حمراء قطفتها حفيدته ووضعتها في المتحف الوطني وعلقت عليها قصيدة مديحية وأخذت ترقص بنشوة!!
ولم تتوقف عن الرقص حتى داهمتها أمواج المحيط وبللت أطراف ثيابها البالية!!
مهاجرون نحن مهاجرون،أحلامنا مهاجرة وأشيائنا مهاجرة!!
ويبقى الأمل معتصماً مع الصحْراء والجبالْ والحقولْ داخل هذا الوطن الذي يرفض الهجرة!!
لذلك أنا سعيد لأنني أجد ريحه،رغم الزكام وصغر الأنف!!
وإن كانت تلك الرائحة تمتزج الآن برائحة "تصّمار لعش"
17 و 5 دقائق بتوقيت تامشكط أين أنتم؟؟
من صفحة