من "ترمسه" إلى "ترمسه"!! / محمد الأمين الفاضل
بسم الله الرحمن الرحيم
هناك فرق كبير بين "ترمسه" المدينة الخيالية الرائعة التي عرفت تطورا عمرانيا مذهلا على صفحات الوكالة الموريتانية للأنباء و"ترمسه" على أرض الواقع تلكم المدينة الشاحبة البائسة التي خرج بعض سكانها، وجاؤوا في قافلة ليقولوا لصاحب الأفكار النيرة، و"ترمسه" واحدة من أفكاره النيرة، بأن مدينتهم ليست بتلك الروعة التي ظهرت بها على صفحات الوكالة الموريتانية للأنباء. إن هناك فوارق كبيرة بين المدينتين، بين "ترمسه" الوكالة و"ترمسه" الواقع، وللتأكد من ذلك دعونا ننظم رحلة استطلاعية سريعة تنطلق من "ترمسه" الوكالة، وتنتهي ب "ترمسه" الواقع، فهل أنتم جاهزون لمثل هذه الرحلة؟ لقد ظهرت مدينة "ترمسه" لأول مرة على صفحات موقع الوكالة الموريتانية للأنباء في يوم الاثنين الموافق 22 ـ 11ـ 2010، ففي ذلك اليوم تم وضع الحجر الأساس لمدينة "ترمسه" الرائعة، والتي اندمجت فيها 22 قرية كانت مشتتة في المنطقة.
وحسب الوكالة فقد أعلن رئيس الجمهورية في ذلك اليوم عن عزم السلطات العمومية على توفير مستلزمات الحياة الضرورية، من تعليم، وصحة وكهرباء، ومياه، وغيرها، في فترة لا تقل عن ستة أشهر، ولا تزيد عن ثمانية، هذا فضلا عن ربط هذه المدينة بطريق "كوبني" أو طريق الأمل في فترة وجيزة. وبعملية حسابية بسيطة فإنه يمكننا أن نقول ـ إذا ما كانت الوكالة صادقة وإذا ما كان الرئيس صادقا ـ بأن الماء قد فاض في "ترمسه" الوكالة في يوم 22 ـ 07 ـ 2011، أما في "ترمسه" الواقع فالأمر كان مختلفا جدا، فلقد أخرج العطش بعض سكان المدينة وهم الآن أمام القصر الرئاسي يشكون من العطش، ومن مشاكل أخرى سنذكرها بعد حين..
وبالعودة إلى "ترمسه" الوكالة، وإلى يوم تدشينها، فقد ذكرت الوكالة في ختام تقريرها عن تدشين المدينة ما يلي : "نشير إلي أن المشروع الذي يتم تمويله، باستثناء الماء والكهرباء، بمبلغ 442 مليون أوقية على نفقة ميزانية الدولة لصالح 5143 نسمة، يضم مجمعا إسلاميا، ومبنى إداريا، ومدرسة ابتدائية، ومركزا صحيا من الفئة (ب)، وحظيرة للمواشي، وسوق، وثلاثة آبار ارتوازية، وشبكة لتوزيع المياه، ومحطة كهربائية، وشبكة للتوزيع، ومبنى للدرك." حقا إن "ترمسه" الوكالة لمدينة رائعة، وكيف لا تكون رائعة وهي بها كل هذه المرافق العامة المذكورة أعلاه؟
ولم يتوقف تطور "ترمسه" الوكالة عند هذا الحد، بل إن هذه المدينة ستشهد تدشينات كثيرة أخرى، نذكر منها على سبيل المثال، لا الحصر:
فبعد انتهاء مهلة الأشهر الثمانية، وتحديدا في يوم: 30 ـ 07 ـ 2012 ذكرت الوكالة الموريتانية للأنباء بأن وزير المياه والصرف الصحي السيد محمد الأمين ولد آبي قد أشرف "على تدشين شبكة لتزويد هذا التجمع القروي بالمياه الصالحة للشرب، وتضم هذه الشبكة، خزانا مائيا تبلغ سعته الاستيعابية 20 مترا مكعبا، إضافة إلى 18 كلم من الأنابيب، و12 حنفية عمومية موزعة داخل التجمع.
يمكنكم أن تلاحظوا بأن الماء كان قد فاض لمرتين في مدينة "ترمسه" الوكالة، وبأن المدينة كادت أن تغرق لمرتين. أما في "ترمسه" الواقع فالأمر لمختلف جدا، فالعطش يكاد أن يهلك أهل هذه المدينة.
ستشهد مدينة "ترمسه" الوكالة تطورا لافتا في العام 2014، ففي هذا العام ستتحول هذه المدينة على صفحات موقع الوكالة من مدينة حديثة إلى قطب تنموي، لقد كتبت الوكالة في يوم 04 ـ 06 ـ 2014 : "أشرفت مفوضة حقوق الإنسان و العمل الإنساني والمجتمع المدني السيدة عائشة منت امحيحم اليوم من مقر تجمع ترمسه بولاية الحوض الغربي على انطلاق الأقطاب التنموية المندمجة في ثلاث ولايات من الوطن هي: الحوض الغربي - تجمع ترمسه، و لبراكنه – بورات، و اترارزه - أبير التورس."
ذلكم كان حال "ترمسه" الوكالة، أما "ترمسه" الواقع فلا يمكن أن نجد لها ذكرا في موقع الوكالة الموريتانية للأنباء. لقد رفضت الوكالة أن تتحدث عن المسيرة الشعبية التي نظمها بعض سكان "ترمسه" الواقع، والذين أرادوا من خلالها أن يطلعوا الرئيس على مشاكلهم، ومن بين تلك المشاكل: العطش، فوضوية وتدني التعليم، ارتفاع نسبة الوفيات بسبب انتشار أمراض مرتبطة بشرب المياه المالحة، غياب أي مشاريع تنموية لصالح سكان المدينة الجديدة.
يمكنكم أن تلاحظوا غياب أي مشروع تنموي في "ترمسه" الواقع، حسب شهادات المعتصمين أمام الرئاسة، وذلك في وقت أصبحت فيه "ترمسه" الوكالة تشكل قطبا تنمويا في ولاية الحوض الغربي!!
إن هناك جملة من الملاحظات التي يمكن أن يخرج بها الزائر للمدينتين، ومن أهم هذه الملاحظات:
1 ـ إن "ترمسه" الوكالة هي مدينة حديثة متطورة جدا، أما "ترمسه" الواقع فهي مدينة في غاية البؤس، وما ينطبق على المدينتين ينطبق أيضا على الدولتين : فموريتانيا الجديدة يمكن أن تدهش الزائر لها إذا ما زارها عبر مؤسسات الإعلام الرسمي، ولكنها ستصدمه لا محالة إذا ما قرر أن ينظم لها زيارات ميدانية بعيدا عن تطبيل الإعلام الرسمي.
2 ـ وعلى ذكر الزيارات فإنه قد يكون من الضروري جدا أن نطرح هنا السؤال التالي: لماذا قرر أهلنا في "ترمسه" الواقع أن ينظموا زيارة للرئيس في قصره الرئاسي، وذلك بدلا من أن ينتظروه هو حتى يزورهم في مدينتهم أو على الأقل في عاصمة مقاطعتهم خلال الأيام القادمة؟ إن أهلنا في "ترمسه" الواقع يعلمون جيدا بأن الغرض من زيارة الرئيس لن يكون التعرف على حال السكان المقيمين في المناطق المزورة، بل إن الغرض من هذه الزيارات سيكون التعرف على أحوال سكان العاصمة المنحدرين من تلك المناطق التي سيزورها الرئيس، فهؤلاء سيتركون منازلهم في العاصمة، وسيعودون ـ لأيام معدودة ـ إلى مساكنهم الأصلية في المناطق المزورة ليستقبلوا الرئيس هناك، وسيشكلون سدا منيعا بين الرئيس وسكان المناطق المزورة. فلأن أهلنا في "ترمسه" الواقع يعلمون ذلك فقد قرروا أن يتحملوا تكاليف السفر إلى العاصمة بدلا من انتظار قدوم الرئيس.
3 ـ إنه يمكننا أن نتعرف على حصيلة انجازات الرئيس من خلال تأمل حال مدينة"ترمسه"، وذلك لأن مشروع تجمع "ترمسه" كان فكرة خالصة من أفكار الرئيس، ولأن تدشين هذا التجمع كان قد تم في بداية مأموريته الأولى.
إن تجمع"ترمسه" كان فكرة خالصة من أفكار الرئيس، تماما كفكرة تجمع أمن الطرق، وإن هذه الفكرة قد بدأ تنفيذها مع بداية المأمورية الأولى، تماما كما هو الحال مع تجمع أمن الطرق، والآن دعونا نختم هذا المقال بسؤالين اثنين: أولهما خاص بأهلنا في "ترمسه" والثاني خاص بأهلنا في العاصمة "نواكشوط".
فيا أهلنا في "ترمسه" : كيف حال مدينتكم، وكيف حالها مع العطش؟
ويا أهلنا في العاصمة: كيف حال مدينتكم، وكيف حال أمن شوارعها بعد مرور عدة سنوات على إنشاء تجمع خاص بأمن الطرق؟
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين ولد الفاضل