الأدوات الخفية لولد بوعماتو، وأساليبه الماكرة (مقال)
مع سيلان الحمم الملتهبة من فهوة البركان و التي تلطفها من حين لآخر، إمكانية دخول عناصر الطيف السياسي في حوار يتبدى قربه في بعض الأحيان قبل أن يتلاشى، تظهر في الأفق سحب قاتمة.
فبموازاة الحملات السياسية العلنية، المتعارف عليها في الأنظمة السياسية، والتي تستخدم فيها الأغلبية والمعارضة كل أساليب المنافسة في أفق الاستحقاقات الانتخابية، تستعر حملة أخرى خفية تستخدم آلتها للتأثير على مجرى الأحداث و لو استدعى ذلك استخدام أساليب لا أخلاقية.
ينعش هذه الحملة من ملجئه في مراكش، أخصائي في تحريك الدمى، بارع في العمل في الظلام، متفنن في الدسائس السياسية وفي استغلال النفوذ، إنه محمد ولد بوعماتو.
ولا ينقص الرجل المال ولا فن الحيل.
إن ثروته الهائلة، شيدها بأعجوبة وفي زمن قياسي.
ولا يمكن بحال من الأحوال تبرير هذه الثروة الضخمة والمتشعبة بتوفر الرجل على مصنع للحلوى تسببت في نخر أسنان صغار الموريتانيين، ولا كب ماجي cube maggi المشهور والمسبب لآلام المفاصل ولا السجائر السامة.
فمن منا لا يتذكر الكلام الذي وجهه المرحوم عبد الله ولد أنويغظ لمحمد وبوعماتو في لقاء جمعه به في قاعة انتظار محافظ البنك المركزي الموريتاني، والذي أشارفيه، مسغربا تنامي نفوذه في مجال الأعمال، قائلا: "لعل ذلك عائد إلى مسحوقÂ أبيض".
و لكن، هل كان الرجل بحاجة إلى أساليب أخرى ليدخل عالم الرفاهية، وهو المعروف بقدرته على تفليس المؤسسات العمومية و رجال الأعمال ليستحوذ، و بثمن بخس على أنشطتهم، وبقدرته كذلك على استغلال الموظفين المحتالين لحسابه،Â وبتعيين وفصل المسؤولين حسب هواه وعلى وجه الخصوص: الوزراء الأول، و وزراء المالية، ومحافظي البنك المركزي والأمناء العامين للحزب الجمهوري الديمقراطي الاجتماعي.
وهذا ما سمح له ببناء إمبراطورية مالية ضخمة، تشمل على وجه الخصوص: الإيراد والتصدير، والتأمين، والنقل الجوي، والاسمنت، وتمثيل شركات تصنيع السيارات، والمواصلات، و المضاربات العقارية والبنوك.
وقد أشتهر مصرفهGB M للأسف باستغلاله المفرط لمؤسسات حيوية، مثل سونمكسÂ و صوملك، والتي رغم كونها من أهم المودعين في البنك، فإنها لجأت للاقتراض منه وبفوائد باهظة، وذلك بواسطة حسابات بنكية.
لقد اتهم ولد بوعماتو في انهيار العديد من المؤسسات العمومية، مثل الخطوط الجوية الموريتانية، والتي تشكل عامل سيادة، يتعلق به الموريتانيون كثيرا.
وبالإضافة إلى هذه الهيمنة شبه الاحتكارية على القطاعات الأكثر مردودية في الاقتصاد الوطني، فقد استفاد من ريع وتسهيلات سلطة مرتهنة.
وهكذا فقد استفاد، من بين امتيازات أخرى، من مساحات أرضية شاسعة في نواكشوط، تنازل عن قطعة منها لسفارة أجنبية مقابل مبالغ مالية معتبرة.
وعلاوة على ثروته التي لم يعد يخفى على أحد حجمها ومصدرها، يحظى ولد بوعماتو بالكثير من التواطؤ، بفضل شبكة من العلاقات نسجها بصورة محكمة عبر العالم...
إنها بحق سيرة محيرة لهذا المعلم المساعد، الذي تضمÂ قائمة أصدقائه، الفاتنة آن سين كلير، Anne Saint Claire وزوجها الأقل لمعانا، دوميميك استروتسخان, Dominique Strauss khan ، وبن علي و آل الطرابلسي الذين ساعدوه في تأسيس شركة مورتانيا إرويز Mauritanie Air-waysوحتى بعض كبار الأباطرة الكولومبين.
ففي موريتانيا، كان يتحكم في الدولة، فقد كان للأخ الأكبر للرئيس السابق معاوية ولد سيد أحمد الطائع، مكتبا في مصرف GBM.
وكان ولد بوعماتو يسدي تعليماته لأعضاء الحكومة الذين يطيعونه بصورة عمياء.
لكن علاقاته لم تعرف يوما الاستقرار، بل إنها تتغير حسب المصالح الظرفية.
وهكذا، فإنه أدار الظهر لأهل الطايع، وآل الطرابلسي، ولآخرين كثر.
واليوم، يمتهن الرجل العمل الإعلامي من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، والصحافة المكتوبة، والإلكترونية، ويجند لذلك فريقا كبيرا من العملاء المطيعين، تضم مجموعة من الصحفيين الفاشلين، وأشباه المثقفين، ومعارضين لا منبر لهم، و مواقع مفلسة، ومكاتب استشارية صورية.
تلكم هي الخيوط البارزة للآلة التي وضعها ولد بوعماتو للتأثير في مجرى الأحداث السياسية في موريتانيا.
و تستهدف هده الحملة بوضوح، وهذا ما لا يخفيه الرجل، زعزعة موريتانيا وتشويه صورة النظام السياسي القائم، وإرباك الوضع الحالي من أجل تغيير يسمح له، كما يتصور، باستعادة مكانته في ممارسة السلطة.
لكن مآلات الرهانات كلها لا تتحدد فقط في الصحف التي لا يقرؤها الكثير من الموريتانيين، ولا المواقع التي لا يتصفحها إلا القليل منهم.
إن الحملة تستهدف الرأي العام الأجنبي.
ففي موريتانيا، ترك ولد بوعماتو صورة رجل أعمال نجح، دون شك، في بناء ثروة طائلة وعجيبة، وإن كانت الطبقة المثقفة تشببه ببرلسكونيÂ Berlusconi، نظرا لقلة الوازع لديه، ولأخلاقه وطباعه وممارساته...وخاصة السياسية.
أنه يمتلك المال، ويتوفر على العملاء.
فمن خلال شد الخيوط من مراكش، بإمكانه دونما شك، أن ينعش آمال معارضة تفتقر إلى مانحين، ولكن سيكون من الصعب عليه إعادة بناء المنظومة السياسية التي مكنت من ازدهار أعماله.
أوليد الناس