قصة السجين السلفي كما صورها الإعلام الموريتاني
على مدى أكثر من أسبوعين ظـل اختفاء السجين السلفي السالك ولد الشيخ لغزا محيرا لأجهزة الأمن، والمراقبين، وهاجسا مؤرقا للمواطنين، ومادة دسمة أسالت لعاب السياسيين، وحبر الصحفيين، وشكل هذا الحدث في حد ذاته اختبارا مهما، ليس فقط لأجهزة الأمن، بل للصحفيين، ووسائل الإعلام الوطنية.
التعامل الرسمي مع الحدث..
اتسم التعاطي الرسمي مع حادثة فرار السجين السلفي بمستوى من الشفافية غير معهود، تمثل في نقطتين بارزتين، الأولى أن الجهات الأمنية الرسمية أعطت للحدث ما يستحق من اهتمام، ولم تحاول التقليل من خطره، بل حذرت المواطنين من هذا الرجل، ووضعت تحت تصرفهم أرقاما للطوارئ، في بلاغ بثته وسائل الإعلام الرسمية، ولم تحاول الجهات الأمنية تجاهل الحدث، أو التصامم عنه، رغم ما شكله من حرج كبير لأجهزة الأمن بمختلف قطاعاتها.
وعلى المستوى السياسي كان الأبرز تصريحات الوزير الأول أمام البرلمان، والتي أكد فيها أن السلطات الموريتانية ستعتقل السجين السلفي الفار ولد السالك، وتجلبه للعدالة، أينما وصل، وهي التصريحات التي أثارت سخرية البعض، وقلـل من شأنها، قبل أن تثبت الأيام أن الوزير الأول لم يكن يتحدث من فراغ، ولم يعط وعدا مكذوبا، بل تحدث عن معطيات دقيقة لديه، وإن كانت الضرورة الأمنية لا تسمح له بكشفها أمام البرلمان في ذلك الوقت.
التعاطي الإعلامي..
تميز التعاطي الإعلامي(خاصة المواقع الإلكترونية) مع خبر فرار السجين السلفي ولد السالك، بتناقض فاضح، واستغلال واضح للحدث لأغراض معينة، وتجاهل خطير لاهتمامات القارئ، واستهانة بمصالح الوطن الكبرى.
قد يرى البعض في هذا اتهاما مباشرا دون دليل، لكنه في الحقيقة استنتاج، واستقراء لما جرى، ويكفي للتدليل عليه أن نقارن بين خبر فرار السجين السلفي، وخبر اعتقاله، من خلال المواقع الإلكترونية، فخبر الفرار تسابق البعض إليه، ونشره، قبل أن يتم تأكيده رسميا من الجهات المعنية، وتفننت مواقعنا في نسج قصص مطولة عن عملية الفرار، وطريقتها، بطرق حولتها إلى سيناريو مثير لعمل ادرامي ناجح، تختلط فيه الأحداث، بالخيال العلمي، بالخرافة... وكل تلك القصص، والسيناريوهات التي استفاضت فيها المواقع كثيرا لم تستند فيها إلى مصادر رسمية معلومة.
وبعد ذلك تحولت المواقع البارزة للتركيز على فشل الأمن في القبض على السجين الفار، وجعلت من هذا الفشل كارثة وطنية، وصورت هذا السجين بوصفه خطرا محدقا بالوطن، والمواطن، وشرا مستطيرا، الأمر الذي ساهم في بث الرعب في نفوس المواطنين، وظل هذا السجين الهارب حاضرا بقوة في بعض مواقعنا، حتى رغم ابتعاده زمانيا، ومكانيا خارج حدود البلد.
وكانت المفاجأة الكاشفة للأجندات الخاصة لدى البعض هي لحظة اعتقال السجين السلفي الفار الشيخ ولد السالك في دولة كينا بيساو، فرغم شيوع الخبر، وتأكيده، وتأكد الجميع من صحته، لم يتم نشره على تلك المواقع، في انتظار التثبت، والتحقق، وبحثا عن " المصداقية" وهي أمور لم تتم مراعاتها في التعاطي مع خبر فراره، والتعاطي مع أحداث، ومواضيع أخرى عديدة، يتم نشرها اعتمادا على مصادر موثوقة، أو حتى دون الإشارة للمصدر، لكن عندما تكون تلك المواضيع تصادف هوى في نفوس البعض، أو تتفق مع أهدافه الكبرى، التي يسعى لتحقيقها، وتكريسها من خلال وسائل إعلامه، ومع ذلك يتم الحديث عن القارئ، واحترامه !!.
والمفارقة هنا هي أن هذه المواقع تسابقت في نشر خبر كاذب قبل أيام عن اعتقال السجين الفار في السينغال، اعتمادا على موقع سينغالي، واليوم نشرت مواقع موريتانية الخبر الأكيد، المؤكد، بالزمان، والمكان، والتفاصيل المـُملة، ومع ذلك لم يتم التعاطي معه، وكأن مواقعنا تثق أكثر في مواقع أجنبية أكثر من ثقتها في زملائها في المهنة، وإخوتها في الوطن!!.
إن المعايير المتعارف عليها دوليا في تحديد أهمية الخبر من عدمها يتصدرها مدى انشغال المتلقي بهذا الخبر، ودرجته في سلم اهتمام القارئ، وما من شك أن خبر اعتقال هذا السجين السلفي يحتل الصدارة في اهتمام الجمهور الموريتاني، وربما الإقليمي، وحتى الدولي، باعتباره إرهابيا خطيرا، لذلك لم يكن مستساغا، ولا مفهوما تجاهله من البعض تحت أي مسوغات، وبأي ذريعة.
البعض يعزو تجاهل بعض وسائل إعلامنا لخبر اعتقال السجين السلفي إلى أن تلك الوسائل كانت قد روجت كثيرا لفشل الأمن الموريتاني، وروجت كذلك لصعوبة، أو استحالة القبض على السجين الفار من جديد، ولا تريد أن تنسف هذه الفرضيات بين عشية وضحاها.
والأكيد أنه إذا كان فرار هذا السجين شكل فضيحة لأجهزة الأمن، فإن اعتقاله ربما شكل فضيحة لبعض وسائل الإعلام، تجلت من خلال تعاطيها مع هذا الحدث منذ بدايته.
سعدبوه ولد الشيخ محمد