سطوة الممول..تجمع الراب والتكتل /سيد محمد بوجرانه
كان التكتل، في السالف من أيامه، حزبا معارضا يقوده رجل خلوق، طعن في السن، أطال الله بقاءه، يحشد أنصاره في نطاق سورة النساء، وحدود المواريث؛ فيجلس الشيخ وسط أقرانه ممن شاركوه التسيير في حكومة الاستقلال، وكانت المعلومة تشنف آذان القوم بطرب قُدّ على المقاس؛ فلا هو بالفصيح، إذ صلة القوم (جذر لكلمة أخرى حرفتها العجمة) ب"لاراب" متوترة منذ سنة 1966، ولا هو مغرق في "اتزيوين" حتى لا يحيل إلى جهة يميل أهلها، بسبب الإعاقة السياسية، إلى التجمهر، بدل التكتل... اخترعت المعلومة طربا تتكتل فيه الآلات، والنغمات، والكلمات، والحركات لتنتج "حبيبي حبيتُ"... لكن هذا الحب لم يحظ بدعم بعض أفراد العائلة، مثل التكتل تماما، فتظاهروا عليه.."لاموني خالاتي، هوم واصحباتي..." وفعل العتاب فعله، مع أشياء أخرى، لكن المعلومة التي تعلقت بحبيبها لأنه "ماه من ذاك ألّ ترشو، أقط ارشيت"، اكتشفت فارسا يحارب الفساد، فمال إليه قلبها، والقلوب قُلّب... فاعتكفت بادئ الأمر، حيرى بين قلبها الواقع في "الحب الجديد"، وعقلها المنادي "بالوفاء والصمود"... ثم خرجت على الناس بما لم يألفوا.."يودن..يودن" فعلم أهل التكتل أن ما ألمّ بها شطح ينتاب أغلب رموز المعارضة ويشفون منه بمجرد وصولهم إلى الضفة الأخرى حيث يجدون الطمأنينة وراحة البال...
رحلت المعلومة تاركة "حبيب الشعب"، ومدشنة نزيفا لمّا يتوقف.. فرحل آخرون للتشاور، واستفاد البعض الآخر من تجربته في التكتل لينشئ حزبا للعائلة يتصدره الشباب ليبق الشيوخ في الظل الذي ألفوه.. وأقفرت الدار برحيل التكتل نفسه بعد أن سئم ألاعيب يسار المنتدى، واكتوى بغدر يمينه، وضاق ذرعا بوسطه الذي يهتز طربا لإشارات السلطة المبهمة... وبدا أن التكتل أصبح كتلة بلا روح بعد أن خسر كل رهاناته.. ومثل كل المفلسين لجأ الحزب إلى القمار فربح الجائزة مناصفة مع فرقة الراب، واشترط مانح الجائزة، بصفته الممول، أن يفتتح التكتل مهرجان "الوفاء والصمود" بإحدى أغاني الراب.. فكانت الفضيحة التي أراد الحزب التكفير عنها بتصدير البيان الذي وزعه عل الصحافة ببعض آي الذكر الحكيم، دون أن يراعي تناسبها مع حاله..." الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور". ألم يمكنكم الله في المهرجان فافتتحتموه بالراب! ومن قبل مكنكم في الأرض أيام دولة الإستقلال فأقمتموها على قواعد العلمانية المتشددة.. بنيتم السجون، واستأجرتم المخافر لكنكم لم تبنوا مسجدا واحدا على عموم تراب الجمهورية الإسلامية. أما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فحرام في حقكم. أما دعوتكم.."واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة"، فهي لا تنفعكم حسب رأي المعتزلة الذين يذهبون إلى أن توبة العاجز عن المعصية التي أقام عليها لا تقبل. فقد مشيتم في فتنة الربيع، وخضتم فيها حتى إذا فشلت وخاب مسعاكم، قلتم "واتقوا فتنة..."!
أما اقتباسكم لقوله تعالى:"وإذا قلتم فاعدلوا..."، فنص البيان يحكي "منكرا من القول وزورا.."
يبدأ البيان بالشجب، ثم يدين، لينتهي بالرفض، محاكيا مسيرة الحزب ورئيسه التي بدأت بتصدر الشوط الأول، والمنافسة بقوة في الشوط الثاني، لتنتهي بالمرتبة الثالثة، وصفر من النواب... يتحدث البيان عن انسداد سياسي يؤرخ له بما سماه "انقلاب 06 أغسطس 2008". ونسي الحزب العتيد موقف زعيمه الداعم لما يسميه اليوم انقلابا، ومشاركته بحماس في "انتخابات نبه على عدم مصداقيتها".
يصل البيان، في صفحته الثانية، إلى دفع القسط المعجل من فوائد الممول "من خلال استهداف رجال الأعمال..." ولإظهار سعة اطلاع نخبة التكتل في مجال تجارة التجزئة، زعموا أن "الانخفاض الكبير للمواد الغذائية في الأسواق العالمية وما صاحب ذلك من انخفاض حاد في أسعار المحروقات في كل أنحاء العالم..." يظهر هذا الكلام مدا جهل القوم.. فانخفاض المواد الغذائية، إما أن يقصد به عرضها، أو سعرها وهما متناقضان، ولا يمكن لأي منهما أن يكون سببا في "انخفاض حاد في أسعار المحروقات." ويستمر منكر القول في الحديث عن وقوف المواطنين "في طوابير طويلة" للحصول على "نزر قليل من مواد غذائية رديئة، سعر بعضها أغلى مما هو عليه في السوق..." لا بد أن هؤلاء المواطنين المحترمين ينتمون إلى التكتل، ما داموا يضيعون وقتهم وجهدهم دون طائل. فهل يعقل أن شخصا معافى يقف في طابور طويل ليشتري بضاعة رديئة بثمن أعلى من ثمن نوعها الجيد في السوق دون طابور قصير! وهل يعقل أن يكون الطابور طويلا للحصول على مواد رديئة!
ويتجسد الزور في الادعاء بأن الشباب الموريتاني يركب زوارق الموت مهاجرا. ورغم تكرر مآسي تلك الزوارق إلا أننا لم نسمع من بين ضحاياها موريتانيا واحدا.
أما دعوة زعيم ما تبقى من الكتلة رئيس الجمهورية ب"التنازل"بضمانات فيدخل في باب التنافس بين التكتل والإصلاح؛ فإذا كان شيخ الاصلاح يرى حلما طويلا أثناء إغفاءة قصيرة في الطائرة، فإن شيخ التكتل تراوده أحلام اليقظة، وقد أصبح، بعد أخذ مسافة من "الاصلاح"، قادرا على رفع الصوت بها. فقد كان يطالب بالرحيل زمن الفتنة، وهو يفكر بالتنازل... لي.
كان مهرجان "الصمود والوفاء" حركة من محرك خارجي بعد فترة طويلة من القصور الذاتي. لكن ارتباط هذه الحركة بأغاني الراب، وتوزيع الجوائز لا يطمئن على استمرارها. فإيقاع الراب سريع، والجوائز موسمية، ويبقى مبدأ العطالة الثابت الوحيد في الكتلة، أو ما تبقى منها، لذلك دعا الزعيم إلى تجديد الانتساب.