لهذه الأسباب لجأ "المنتدى" لتحريف خطاب الرئيس عن موضعه..
إذا كان خطاب رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز في النعمه مؤخرا شكل مفاجأة للبعض، فإن تعاطي المعارضة مع هذا الخطاب لم يخل هو الآخر من عنصر المفاجأة، فقد تجاهلت المعارضة (المنتدى) القرارات، والمضامين السياسية البارزة في خطاب الرئيس، وانشغلت بجمل عرضية، لا تحمل موقفا سياسيا، ولا تؤثر على المشهد العام.
ولعل خير مثال على "الانتقائية" التي ميزت تعامل المنتدى مع الخطاب هو تركيز قادته على فقرة تتعلق بضرورة العناية بتربية الأبناء، وتوفير سبل العيش الكريم لهم، وتحريفها عن معناها الذي قصده الرئيس، وإخراجها عن سياقها، ومن ثم توظيفها توظيفا فجا، ليس من أجل سواد عيون شريحة معينة، بل لضرب النسيج الاجتماعي في البلد، وتأليب بعض المواطنين على بعض، وكأن تركيز رئيس الجمهورية على الوحدة الوطنية لم تسمعه المعارضة.
فرئيس الجمهورية مثلا قال بالحرف في الخطاب: إن أي موارد طبيعية موجودة في أي بقعة من الوطن، هي ملك لجميع أبناء البلد، بمختلف شرائحهم، وليست حكرا على سكان تلك المنطقة، وضرب الرئيس مثلا بالسمك في انواذيبو، والذهب في إينشيري، والحديد في تيرس الزمور، والثروة الحيوانية في الشرق، أو ليست هذه رؤية شمولية، تساوي بين المواطنين بغض النظر عن أي اعتبارات؟ ..
إذا كان تحريف المعارضة لكلام الرئيس عن موضعه متوقعا، لأن الرئيس بالنسبة لهم لا ينطق عن صواب، ولا يقول إلا الخطأ، فإن تجاهل المعارضين لقرارات هامة، وأفكار حاسمة أعلن عنها الرئيس في النعمه يثير الكثير من الغموض حول موقف المعارضة منها، فمثلا لم نسمع موقفا واضحا من قادة المنتدى بخصوص مقترح الرئيس إلغاء مجلس الشيوخ عبر استفتاء شعبي، كما لم نسمع أي موقف من المعارضين يتعلق بقرار الرئيس إنشاء مجالس جهوية للتنمية في الولايات، وهما أهم قراران وردا في خطاب الرئيس، هل سكوت المعارضة عن هذين المقترحين يعني "القبول بهما" من باب أن السكوت قبول، خاصة وأن المعارضين لم يعتادوا السكوت؟؟.
لقد تضمن خطاب النعمه عديد الأفكار الرائدة، في المجالات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، سواء اتفقنا معها، أو عارضناها، لكن بعض المعارضين سخطوا، فقالوا أسوأ ما توهموا، والتمسوا أقبح المخارج، وبحثوا عن تفسير لخطاب الرئيس، يسعفهم في معركتهم العبثية.
ولعل أكبر خطأ، بل خطيئة ارتكبتها المعارضة في رد فعلها على خطاب الرئيس هو أنها لم تفرق بين مصلحة الوطن، والمصلحة الشخصية السياسية، ولذلك رأينا قادة المنتدى من على الشاحنة يتوعدون، ويهددون بإفشال القمة العربية المرتقبة في انواكشوط، وكأن نجاح هذه القمة يشكل خسارة لهم، في حين أن استضافة القمة حدث تتسابق له الدول، ويتم لأول مرة في موريتانيا منذ استقلالها، وهو مكسب للوطن.
وبدل الرد بالفكرة، والحجة، والموقف على خطاب الرئيس في النعمه، اختار قادة المنتدى التهديد بضرب استقرار البلد، وتعهدوا بأن السكينة، والاستقرار لن يحصلا مستقبلا، ملوحين بالاقتحام، رغم أنهم فشلوا سابقا في الاعتصام، وشتان بين الاقتحام، والاعتصام.
لذلك فإن السبب الذي جعل المعارضين يلجؤون لتحريف خطاب الرئيس عن موضعه، وتفسيره بشكل تعسفي، وتوظيفه توظيفا خاطئا، السبب في ذلك هو أن هذا الخطاب لم يحمل ما كانت تتمناه المعارضة ربما من قرارات، وتصريحات، مثلا من قبيل إعلان الرئيس عن ترشحه لمأمورية ثالثة، أو غير ذلك من القرارات التي كانت ستصادف هوى في نفوس المعارضين، أو على الأقل كانت المعارضة تتمنى أن ينتهي خطاب الرئيس في النعمه دون أن يحمل جديدا يذكر، أما وقد حمل الخطاب ذلك الجديد المفيد، وخلا من مواقف، وقرارات يمكن توظيفها ضد النظام، فلم يبق أمام المعارضين سوى تحريف الخطاب عن موضعه، وتشويهه، بدل التعامل معه، بمنطق السياسة، وسياسة المنطق.
سعدبوه ولد الشيخ محمد