قمة العرب، حـُلم التركزي، وأمل مجاوري الحرم
كان العلامة محمد محمود ولد التلاميد التركزي من أبرز من نأت بهم الدار وشطت بهم يد الترحال في المشرق والمغرب ..
بل وصل التركزي شأوا سامقا لم يصله غيره عندما انتدبه السلطان عبد الحميد الثاني للسفر إلي أوروبا في فترة لا يعرف قومه ولا بلده ولا محتده ..
إن عصامية الرجل جعلته يبز أقرانه ..
كان حلم التركزي رفع صيت قومه وبلاده ..
أن تكون شنقيط وأهل شنقيط رمزا للعرب ورمزا للإسلام ..
غير أن إشكالية تصنيف بلاد شنقيط هل هي بلدة من أقصي المغرب كما يقول الزركلي أو هي من بلاد التكرور كما يقول البرتلي أو هي منكب برزخي لا ذا ولا ذاك كما يقول الشيخ محمد المامي..
إن تلك الإشكالية قعدت به عن تحقيق حلمه ..
و قدمت الجغرافيا عليه من كان حقه التأخر ..
فبالرغم من أن التركزي درس جيلا كاملا كان منه طه حسين الذي ذكره في كتابه الأيام وسماه الشيخ الشنقيطي و منه الأديب الكبير مصطفي لطفي لمنفلوطي و الكاتب الكبير عباس محمود العقاد و الأستاذ الكبير أحمد أمين وغيرهم ممن سجلوا ضمن عظماء نهضة العرب والمسلمين في العصر الحديث ..
بالرغم من ذلك فلم يحظ هذا العلامة الجليل في المشرق بما حظي به أترابه كالكواكبي والأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا ؟
فلم تنشر عنه بحوث علمية توفيه حقه ولم تتسم باسمه شوارع ولا جامعات في بلاد عرفت عطاءه وعلمه ..
لم تقعد بعلامتنا معارفه ..
لقد ضن القوم عليه بمكانة هو جدير بها لأنه ينمي إلي عرب الأطراف ..
فمن أهله بالعراق والحجاز والنيل لا يستوي عند القوم بمن أهله بشنقيط ولتفتار وجونابة وأزوكي ..
إن إشكالية الجغرافيا أثرت بكل تأكيد علي تعامل إخواننا بالمشرق مع كل النخب التي سافرت نحو المشرق في الماضي البعيد
أو القريب ..
فلماذا نعرف عن إخوتنا بالمشرق أضعاف ما يعرفونه عنا ..؟
فلا يعرف إخواننا في المشرق من علمائنا إلا من تغرب عن بلاده وحطت به يد النوى بعيدا عن الأهل والأحباب ..
لماذا لا يتم تداول مؤلفات علماء شنقيط هناك ؟
لماذا لا تهتم مطابع بالمشرق بمؤلفات أهل هذه البلاد ؟
أليس بهذه البلاد باحثون وعلماء ومفكرون ؟
ينبغي الإقرار أن مصر ظلت دائما قبلة العلم والعلماء ..
وينبغي الإقرار أيضا أن بلاد الحرمين لها مكانتها التي لا تضاهي في قلب كل مسلم ومؤمن ..
ومع ذلك فإنه من المهم الإقرار بأنه في مجال التداول المعرفي يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر ..
ورب عالم نحرير لم ينشأ بمصر ولم يسكن بنجد ولم يخرج من تهامة ولا الشام ..
إن قمة انواكشوط إقرار بعروبة أهل هذه البلاد و إقرار بحقهم في كل الامتيازات المترتبة علي هذا الانتساب ..
إن الإقرار بذلك ليس ترفا ثقافيا بل إن أثره المعنوي والمادي كبير وعميق ..
من المهم الإشارة في هذا السياق إلي أن هذا الإشكال يضرب بأطنابه في قضايا كثيرة منها قضية أوقاف الحرمين مثلا ..
ذلك لأن عدم الحسم في التصنيف لبلاد شنقيط ، حرمت مجاوري الحرم من حقهم ونصيبهم في أوقاف الحرمين التي تخص المغاربة بدعوي عدم دخول الشناقطة في لفظ المغاربة ..
ولقد كان لهذا المنع أثره البالغ علي حياة ساكنة الحرم المدني والمكي من الشناقطة الموريتانيين الذين ودعوا الأوطان رغبة في جوار الحبيب المصطفي صلي الله عليه وسلم .. وحق لهم ذلك بل ليتني كنت معهم فأفوز ..
حبذا طيبة وحبذا ساكن طيبة ..
والحق الذي لا حق بعده أن للمقيمين هناك من الشناقطة حقا معلوما في هذه الأوقاف لا يمنعه إلا ظالم معاند ..
ذلك لان المغرب علما علي قطر خاص لا إشكال في تعينه علي بلد بعينه أما لفظ المغاربة من دون قيد فإن دخول أهل هذه البلاد فيه لا تنعدم الشواهد بخصوصه ..
ألم يقل سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم العلوي الشنقيطي
والاجتهاد في بلاد المغرب طارت به في الجو عنقا مغرب
أتراه يمنع الاجتهاد علي أهل المغرب ويجيزه لأهل شنقيط ولا يتصور المنع لأهل شنقيط إلا إذا كانت شنقيط داخلة ضمن لفظ المغرب من دون تخصيص .. ؟
وأما عروبة القوم فالشواهد ناطقة بها لسانا ومقالا ولقد صدق شاعرهم ولد السالم الحسني عندما قال :
مصداق أني كريم العيص منتسب إلي قريش بيوت العز والجدل
نظمي القريض وإحكامي قوافيه وما أميز بين العطف والبدل
و لا ينسج الشعر سليقة إلا من غذته العرب الأولي بلبانها و كان ينمي إلي ضئضئ قريش وحمير وهذيل ..
لعل قمة انواكشوط تنصف أهل شنقيط ..
ولعل قمة انواكشوط تعلم القوم أن شنقيط لم تعد تيم الرباب أخوة بني تميم
ويقضي الأمر حين تغيب تيم ولا يستأذرون وهم شهود
عندما تنعقد القمة يكون حلم العلامة التركزي قد تحقق بعد قرن من
رحيله.
د/ الشيخ ولد الزين، عضو المجلس الإسلامي الأعلى