تركيا.. صراع الإرادات، والقناعات..
مثل انقلاب (بيان العلمانيين الأول) في تركيا علي تجربة حكم أوردوغان والدستور التركي ، حدث الأسبوع الذي حجب كل أحداث العالم، وأبرز هذا الحدث عظمة الأمة التركية ، فهي ليست قطيعا تحكمه فئة،وليست نظاما تسيره مجموعة.
وتجارب الانقلابات المفاجئة لن تروق لطرف من الأطراف المتجاذبة في المسرح التركي بعد اليوم، لكن تصفية الحسابات لن تكون حلا أو لن تمر علي الأصح، لأن الاجماع الذي وقع بين الشارع والجيش، سيقود حتما الي معادلة جديدة أكثر حكمة ، وأكثر اجماعا.
مايجري في تركيا صراع بين تيارين وبين عصبتين.
صراع بين تياري أتاتورك العلماني ،والعثمانية الإسلامي.
وقد شاخ التيار الأول، وأخذ مداه، وفشل في شعارات الحداثة والتنمية،والديمقراطية، وخلق أزمة هوية، وسيطر التيار الثاني منجزا اتجاها معاكسا جعل من تركيا قبلة السواح ومركز الأنظار، لكنه ما ان وصل الي أولي أهدافه وغاياته حتي هبت عواصف المصالح ، وتجاذبات الارادات الشخصية وبدأ مرحلة التشرذم للأسف علي كعكة السلطة.
ونتج عن تجارب الانقلابات،والتصفيات بين الطرفين(العلماني، والعثماني)، وداخل الفصيلين ، واقعا معقدا أسلم فيه الجميع الحكامة لصندوق الاقتراع، مع احتدام تجاذبات مراكز القوي (وادي الذئاب) في مفاصل الدولة كلها.
لكن الخلل العميق تجلي في طموح جزء من تيار العصبة العثمانية الحاكم في سيطرة الحزب علي مفاصل الدولة، وسيطرة اتجاهه السياسي علي الشأن الديني برمته، وعلي مشروع المجتمع الذي أنتجته أجيال عشرة قرون علي الأقل مثلت صنوف : المصابرة ، والتضحية ، والعمل باخلاص لوجه الله .
وقاد الطموح الزائد لبريق السلطة هؤلاء ، الي التوسع صوب الجيران ،من أجل السيطرة علي الموصل في العراق ،وعلي حلب في سوريا، وعلي مياه النيل في مصر، وبسط الهيمنة العثمانية علي غزة في فلسطين .
لكن ارتداددات هذا السيناريو المتعجل كانت كبيرة، فقد أبرزت أن الفساد وعدم الاستقرار عملتان قابلتان للإيراد والتصدير سواء من والي تركيا أو سوريا أو اليمن أو العراق.
وأن الفوضى الخلاقة قد تعاودتفجيرات تهدد السياحة، وقد تكون انقلابات تهدد الحكم، وهذا ما شاهدناه في الأشهر الماضية للأسف الكبير في كل من الغرب وتركيا.، وهوما يعني أن من زرع زراعة ، لابد أن يحصد ثمارها حلوة كانت أو مرة.
بالتأكيد أن ما تحتاجه تركيا والأمة المسلمة اليوم ، ليس الانقلابات العسكرية ، وليس التصفيات علي أساس الهوية.
علي الاخوة الأتراك أن يتركوا الترك ما تركوهم ( أعني ألوية الجيش المنقلب والمؤيد فهم في العصبة سواء)، وأنيبسطوا يد المصالحة مع تيار الخدمة لأنه أعمق أثرا، وأصدق معدنا في خدمة الإسلام السني الجنيدي الحنفي، وبفضل انفاقه في سبيل الله، وعلمه المؤصل وفكره المتنور ، ظهرت أسماء وتشكيلات الأحزاب الإسلامية التي اجتثت أو حكمت في تركيا حتي الآن، ومدارس هؤلاء وأوقافهم الإسلامية، في الغرب والشرق، وفكرهم الوضاء لا يهديهم الي طريق الانقلابات، وخشيتهم من الله تمنعهم من المهاترات، وسفك الدماء.، وشيخهم الناسك الزاهد الامام فتح الله غولن الذي ينشر المحبة والسلام والزهور، بلغ من العمر أوجه وهويزيح الأشواك و لايزرعها أبدا.
علي القيادة التركية الحكيمة الآن و بأجنحتها المتعددة ،أن تلتقط سريعا دروس الإرهاب الداخلي ، والانقلاب العسكري، وأن تنكمش لعلاج جبهتها الداخلية، وأن تنهج نهج العفو عن المخطئ، والاستغفار للمذنب، ومشاورة المخالف في الرأي، وأن تعلم أن شكر النعم في أخذ الدروس من المصائب والرزايا، وليس في نكاية الجراح ، واهراق الدم.
الانقلاب بدأ ولم يخمد.
والحل في مصالحة فكرية،ومدنيية،وليس في السجون والمحاكمات الصورية أو المؤقتة.، الحل في منهج اللين
والرحمة.، اذهبوا فأنتم الطلقاء.، ولا وقت للعواطف، فمعركة البناء أولي من المحاكمات والعقوبات (فتح مكة، وغزوة حنين يعطيان الدروس الصحيحة، ومعالم المنهج القويم)
لابد للرئيس التركي من جمع الحكمة، والعقل، والفكر، والايمان، ودروس العمل صالح، وهذا يتطلب مراجعة فكرية ومصالحة شاملة.
خشيتنا علي التجربة الإسلامية في تركيا كبيرة ،خصوصا وأنها تجربة لها أعداء الآن في الجوار كثر(روسا،واسرائليويين،وشيعة ،وعلمانيين).
انها تجربة مضيئة ومغدقة ، وأعداء الإسلام تغيظهم جميعا.
قال تعالي:
((فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ ))(160)
سورة آل عمران من الاية 159 الى الاية160
صدق الله العظيم
محمد الشيخ ولد سيد محمد
أستاذ وكاتب صحفي