عزيزة بنت البرناوي: أصغر مؤلفة موريتانية توقع كتابها الثالث
أطفأت للتو شمعتها العشرين، مختصة في أمراض النساء والتوليد وتحمل الإجازة في علم الإجتماع، لكن رغم حداثة سنها، فقد وقعت للتو كتابها الثالث وسط جمهور من رجال الثقافة والأدب والإعلام.
إنها عزيزة بنت البرناوي أصغر مؤلفة موريتانية، نالت للتو إحتفاء الوسط الثقافي الشنقيطي، وبادلها قراؤها والمعجبون بها فرحتها بمولودها الجديد كتاب «أسماء الأصوات والحركات في الحسانية بين الأصل والتأصيل» الذي اعتبره الناشر «أول دراسة اجتماعية لغوية في الحسانية على الأقل فيموريتانيا».
ينضاف الكتاب الجديد لكتاب «المرأة البيظانية من خلال الأمثال الحسانية» الصادر سنة 2010، وكتاب «صورة الرجل في الثقافة الشعبية» الصادر سنة 2012.
الكتاب الجديد الذي تلقفته رفوف المكتبات عبارة عن مقاربة إجتماعية ولغوية للمسميات التي تطلق على الأصوات باللهجة الحسانية التي يتكلمها عرب ومستعربو موريتانيا. والكتاب كما وصفه كبار المعلقين في حفلة التوقيع «محاولة جريئة لكسر حواجز البحث في مجال الثقافة المروية التي لم تجد بعد من يغوص في شغافها، حيث اقتصرت الجهود التي بذلت لحد الآن في هذا الميدان على الجمع والتحقيق دون البحث المعمق والدقيق».
يقع الكتاب في 126 صفحة من الحجم الصغير، وقد توزعت موضوعاته بين مقدمة أطرت الموضوع من الوجهة اللغوية والاجتماعية، وفصلين أحدهما خصص لأسماء الأصوات الصادرة عن الإنسان والجماد والطبيعة، والثاني لأسماء الحركات بما فيها الحركات ذات الأشكال المحددة والحركات المتدحرجة من أعلى إلى أسفل والحركات ذات الاتجاه الأفقي والحركات الإنتقائية الترددية وحركة الإنسان اعتمادا على معيار السن والحركات المتخصصة والحركات التي لا شكل محددا لها.
ينقل هذا الكتاب القاريء إلى مجتمع «لفريق» أي الأحياء البدوية الموريتانية القديمة بأصواتها وحركاتها وجماعاتها وشعرها وعقلها وخرافاتها، فهو يعرف بهذا المجتمع لكنه أيضا يجعل القاريء يعيشه ويتنفسه ويحبه.
تقول عزيزة واصفة المصاعب التي اعترضتها «تنبع صعوبة البحث في الموضوع من كونه يشكل في الواقع لغة أخرى لها بنيتها الخاصة ودلالاتها وآليات التواصل الخاصة بها، كما أن لها حمولاتها الأخلاقية والقيمية والأيدولوجية، إضافة إلى كونها تتوزعها الدوائر الاجتماعية فتجد فيها كل الفئات والرتب مكانها وخصوصيتها». «حاولت، أن أسبر أغوار هذا الموضوع انطلاقا من مقاربة اجتماعية ـ لغوية، هي الأولى من نوعها، مستغلة كل ما تتيحه المناهج اللغوية والاجتماعية من إمكانيات في سبيل تنمية الموضوع».
وحول أهمية العمل الذي جسده الكتاب تقول عزيزة «قمت بتفكيك المفاهيم قصد إرجاعها إلى أصولها اللغوية التي كانت في بعضها عربية فصيحة وفي بعضها الآخر محلية وفي جزئها الأكبر صوتية، كما اجتهدت في الوقوف على دلالاتها الاجتماعية وحمولاتها الأخلاقية ودوائر تعاطيها في المجتمع، ثم رصدت سيرورة تأصيلها في الحسانية متتبعة بنية المفهوم قبل وبعد عملية «التحسين»(من الحسانية) كما تتبعت تجذره في الشعر الحساني وفي الميتولوجيا البيظانية».
وخلال عملية التفكيك التي قامت بها عزيزة البرناوي باستخراج سبعة تصنيفات ساعدت في رسم خارطة الأصوات والحركات بالاعتماد على مصادرها(الإنسان، الجماد، الحيوان، الطبيعة،)، أو انطلاقا من التجمعات والمؤسسات الاجتماعية(جماعة البئر، طقوس الرحيل، الأعراس، الألعاب، الرقص) أو بيئاتها الاجتماعية(بدو، رعاة، أمراء، موسيقيون) أو حسب الفئات العمرية (أطفال، شباب، كهول،)، أو باعتبار الجنس(نساء، رجال) وحسب الأشكال(اشكال الحركات وبنيات الأصوات)، وأخيرا حسب الخلفية النفسية(حركات وأصوات الفرح، الحزن، الغضب، النصر..الخ).
وكان المجال الذي أبدعت فيه المؤلفة هو العناية الخاصة التي أولتها لكيفية انتقال المفاهيم من دلالتها المباشرة إلى استخداماتها المجازية، فقد تمر هذه المفاهيم في بعض الأحيان، في رحلة استخداماتها اللغوية، بمرحلة وسطى تشكل جسرا بين الاستخدامين الأصلي والمجازي.
ومن الجديد في هذا الكتاب قيام المؤلفة بتوثيق أسماء حركات الرقص المحلي مما قد يشكل أرضية لتقعيده ودراسته ونقله لمختلف الأجيال وبخاصة أنه لم يعد موجودا كممارسة قائمة، كما لم تعد له في المجتمع مراجع قائمة. ولا تدعي المؤلفة الشابة أنها أحاطت بكافة جوانب هذا الموضوع بل إنها أكدت في كلمتها بحفلة التوقيع أنها «ألقت الضوء على جانب من الجوانب المهمة في الثقافة الموريتانية مما قد يحوله إلى حقل ثري، يغوص فيه علماء الاجتماع والانتربولوجيا وعلم النفس للبحث في نفسية أفراد وجماعات المجتمع».
عبدالله مولود/ القدس العربي