موريتانيا: سلطة الدولة، وسلطان القبيلة..
يعتبر المجتمع الموريتاني مجتمعا قبليا بامتياز، فما من فرد، أو أسرة إلا وينتمي، أو تنتمي لقبيلة معينة، تلجأ إليها وقت الأتراح، وتتشارك معها الأفراح، وقد ظلت القبيلة في موريتانيا تلعب أدورا إيجابية، مثل التكافل الاجتماعي، وصلة الرحم، ووأد الفتن، والتعاون عن البر والتقوى، والأخذ على يد الظالم، إلا أن الأوجه السلبية للقبلية بدأت تطل برأسها مع ضعف الدولة، وتراخي قبضتها على المجتمع، وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي تجعل التنسيق، والتشاور بين أفراد القبيلة أسهل بكثير من الماضي، فضلا عن انتشار ثقافة الحرية التي تسمح للفرد، والقبيلة بالبوح بما كان ممنوعا سابقا، وانهيار سلطان الدولة وهيبتها في نفوس المواطنين.
كلها عوامل جعلت الهاجس القبلي يطل برأسه من جديد بطريقة مختلفة عن السابق، وتجعل كل قبيلة تعرف كم عدد أطرها، ومسؤوليها في الدولة، وكم تبني الدولة من مدارس، أو آبار، أو تفتح من حوانيت أمل في قراها، وبناء على نتائج ذلك الجرد تكون العلاقة مع الدولة سلبا، أو إيجابا، بل وصل الأمر بالقبيلة حد التدخل في أحكام القضاء الذي يفترض أنه فوق الجميع، ومحاولة تغيير تلك الأحكام.
وتبدو الدولة مرتبكة حيال التعامل مع هذا الواقع، وهي التي تدرك أن زمن القوة، والقبضة الحديدية قد ولى، وممارسة السطوة قد تأتي اليوم بنتائج عكسية، لذلك ظلت السلطات تهادن القبائل، وتسمح لها بهامش من الحرية يتجاوز أحيانا صلاحيات الدولة نفسها، وتغض السلطات الطرف عن التجمعات القبلية رغم أن القانون يمنعها، بل وترخصها، وتتعامل معها كواقع، بل إن بعض الأحزاب السياسية، والمؤسسات الإدارية بات ملكا لقبيلة بذاتها، أو حكرا على جهة بعينها.
واليوم تبدو الدولة مطالبة بتغيير هذا الواقع بكثير من الحكمة، وقليل من الحزم، وذلك قبل أن يستفحل خطر الظاهرة، ونستيقظ يوما على قبيلة وقد اقتنت دبابات، أو أعلنت حكما ذاتيا، فلم يبق للبعض إلا ذلك.