نظام ولد عبد العزيز بين مأموريتين.. الحصيلة، والمآلات (خاص)
نحو عشر سنوات أمضاها رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز حتى الآن في الحكم، وهي فترة كافية لتقييم حصيلة أداء نظامه، ويقسم المراقبون هذه الفترة إلى قسمين،: المأمورية الأولى، من 2009 أإلى 2014، والمأمورية الثانية من 2014 إلى اليوم، وبمقارنة بسيطة يلاحظ المرء أن جميع إنجازات ولد عبد العزيز، ومشاريعه الوطنية الكبرى، والتي غيرت وجه موريتانيا، كل هذه المشاريع كانت في المأمورية الأولى، إما تم إنجازها فيها كليا، أو تم وضع حجرها الأساس في المأمورية الأولى (إصلاح الحالة المدنية، إنهاء مشكل الكزره، تشييد مطار أم التونسي، بناء المستشفيات الكبرى، وتوسعة الموانئ، والمطارات، بناء الجامعة الجديدة، مشروع اظهر لتزويد الشرق بالماء الشروب، إصلاح الجيش، وتطبيق المقاربة الأمنية الناجحة، زيادة رواتب الموظفين..إلخ).
وفي المقابل من الملاحظ أن جميع مشاكل النظام السياسية، والصراعات داخل فريقه، والأخطاء التنفيذية القاتلة كلها كانت في المأمورية الثانية، والمستمرة حتى الآن، والمفارقة أن ولد عبد العزيز كان في المأمورية الأولى خارجا لتوه من معركة متعبة، لفرض شرعية حكمه خارجيا، وداخليا، بعد إطاحته برئيس منتخب، ولم تكن لديه إنجازات مسبقة يسوقها للشعب، بينما الرجل في المأمورية الثانية خارج من انتخابات رئاسية فاز فيها بأكثر من 50% من أصوات شعبه، ولديه 5 سنوات ناجحة من الحكم، أنجز فيها الكثير !!
ومع اقتراب دخول ولد عبد العزيز الربع الأخير من مأموريته الثانية، والأخيرة وفق الدستور، يرى المراقبون أن الوقت لم يعد يسمح له بالإنجاز، والبداية من الصفر، بل بات عامل الوقت ضاغطا، وسيهتم ولد عبد العزيز برسم معالم موريتانيا ما بعد السنة المقبلة 2019، ولا يزال الموريتانيون يجهلون معالم تلك الطبخة التي يعد لها الرجل، ويتم تداول عدة سيناريوهات ممكنة من باب التحليل، والتخمين، لعل من أبرزها:
السيناريو الأول:
أن يسلم ولد عبد العزيز السلطة لرئيس مدني منتخب، بدون تدخل في تلك الانتخابات، وبدون دعم مرشح بعينه، وهذا احتمال ضئيل جدا، وسيكون ولد عبد العزيز بذلك كمن شيد قصرا منيفا، وسلمه للمجهول، أو لشخص قد يهدمه، وقد يضيعه، فضلا عن أن المستقبل السياسي لولد عبد العزيز نفسه سيكون في خطر في هذه الحالة..
السيناريو الثاني:
أن يدعم ولد عبد العزيز شخصا بعينه، ليفوز بمنصب الرئيس، ويبدو هذا السيناريو بالغ الصعوبة، ذلك لأن أغلبية ولد عبد العزيز مجمعة فقط على شخصه هو، ومستعدة لدعمه، حتى لو قرر الترشح لمأمورية ثالثة، لكن تلك الأغلبية ليست مستعدة لدعم شخص آخر غير ولد عبد العزيز ليكون رئيسا للجمهورية، ففرضية المرشح المسبق مرفوضة، فعندما يتنحى ولد عبد العزيز عن السلطة، فلكل حرية اختيار البديل، هذا هو الرأي الغالب في صفوف أغلبية ولد عبد العزيز، أفصحوا عن ذلك، أو كتموه.
السيناريو الثالث:
أن يقرر ولد عبد العزيز بالفعل الاستمرار في الحكم، ويترشح لمأمورية ثالثة، بعد تعديل الدستور، ويرى المر اقبون أن أهم معارضة ستقف في وجه ولد عبد العزيز في هذه الحالة هي معارضة محمد ولد عبد العزيز نفسه، لأنه إذا اقتنع بهذا الخيار، أو أقنع نفسه به - بالأحرى- فإن الأرضية ممهدة لتمريره، ولن يكون أكثر كارثية، ولا أبلغ ضررا، ولا أصعب تنفيذا من قرارات أخرى أقدم عليها ولد عبد العزيز رغم معارضة الكثيرين في الداخل، والخارج، بدء بالإطاحة برئيس منتخب، مرورا بتغيير الدستور، وإعادة هيكلة المؤسسات الدستورية في البلد، وليس انتهاء بتغيير النشيد، والعلم، والعملة الوطنية.
السيناريو الرابع:
هو أن تحدث تطورات غير متوقعة، مفاجئة لم تكن تخطر على بال أحد، وتترتب عليها مستجدات سياسية، قد تبقي ولد عبد العزيز في السلطة بطريقة، أو بأخرى، وقد تأتي بغيره، بتنسيق منه، ووفقا لإرادته، أو تخرج الأمور من قبضته، ويجد نفسه خارج المشهد، احتمال - رغم استبعاده- يبقى واردا من باب التحليل السياسي على الأقل.
وما يرى كثير من المراقبين أنه حقيقة لا مراء فيها هو أن ولد عبد العزيز مـُطالب اليوم - أكثر من أي وقت مضى- بترتيب سريع لنظامه، وتغيير جوهري في جهازه التنفيذي، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، والتركيز أكثر على الأطر السياسية، فالمرحلة الحالية هي مرحلة سياسية بامتياز، ينبغي أن ينصب اهتمام النظام فيها على الإنجاز السياسي (الفوز في انتخابات البرلمان، والمجالس الجهوية، والمجالس المحلية، والرئاسيات)، وإذا كان الإنجاز الحكومي قد تعذر في المأمورية الثانية، أو على الأقل أخذا منحنى تنازليا، وجاء دون المأمورية الأولى، فإن الإنجاز السياسي لا يزال في متناول يد ولد عبد العزيز، إن أحسن التقدير، والتدبير