الحكومة تتجه لمعاقبة المدونين، ومخاوف من تبعات القرار (خاص)
تتجه الحكومة الموريتانية لمعاقبة المدونين الذين ينشطون على مواقع التواصل الاجتماعي بنشر آراء مخافة لتوجاهات الحكومة، وعلم (الوسط) أن جهات معينة في الحكومة تعكف منذ أيام على إعدا قائمة بأسماء هؤلاء المدونين المغضوب عليهم للنظر في طبيعة الإجراء العقابي المناسب لكل واحد منهم، وتأتي هذه الخطوة بعد أقل من أسبوع من إقدام الحكومة على إقالة عشرات الأساتذة، والمعلمين من مناصبهم، بينهم بعض من أبرز الصحفيين في الصحافة الخاصة، بذريعة عدم التقيد بواجب التحفظ المهني، ونشر معلومات سرية عن القطاع التعليمي، فضلا عن مبررات أخرى ساقتها وزارة التهذيب في تعميم أرفقته بهذا الإجراء.
لكن مراقبين يرون أن محاولة الحكومة "تأميم" أفواه الموظفين، والمدونين هي محاولة يائسة، وتشكل سباحة عكس التيار، وستكون لها عواقب مدمرة بالنسبة للحكومة نفسها، وذلك لجملة من الأسباب، أبرزها:
أولا: لأن محاولة حرمان الناس في عصرنا اليوم من النشر، وإبداء الرأي، وتبادل المعلومة، تشبه محاولة حبس الأكسجين عنهم، فكما لا يمكن للحكومة التحكم في تدفق الأكسجين، ولا توزيعه حسب رغبتها، تماما لا يمكنها التحكم في حرية الناس، ومنعهم من نشر ما يفكرون به، وقول ما يريدون، وأي حكومة تسعى لذلك هي حكومة تنتمي للعصر الحجري من التاريخ، وليست حكومة تعيش سنة 2018 للميلاد.
ثانيا: لأن واجب التحفظ هو في الأصل مصطلح عسكري، وجميع الإدارات المدنية في العالم اليوم استبدلت هذا المصطلح بواجب الانفتاح، والشفافية، وتبادل الخبرات والتجارب مع الآخرين، فالإدارة باتت مفتوحة، والمعلومات متاحة، ليس فقط لموظفيها، بل حتى لعموم الناس، وانتهى عصر التقوقع على الذات، ثم ما هو ذلك السر المهني الخطير الذي يوجد بوزارة التهذيب مثلا، ويتم إقالة الأساتذة، والمعليمن حتى لا يقوموا بتسريبه للصحافة، فتقع الكارثة !!! هل تشرف وزارة التهذيب على مشروع نووي سري، لإنتاج سلاح نووي موريتاني، وتخشى الحكومة من أن تتسرب هذه التكنولوجيا الخطيرة، والتي لا توجد حتى الآن إلا لدى موريتانيا من بين جيمع دول العالم ؟؟؟؟!! حدثوا العقلاء بما يــُعقل.
ثالثا: لنفترض جدلا أن لدى القطاعات الوزارية الموريتانية معلومات بالغة الحساسية، والسرية، وأن الموظفين من المعلمين، والأساتذة الصحفيين يشكلون خطرا على هذه المعلومات، هنا نسأل.. من يسرب المعلومات لهؤلاء حتى يقوموا بنشرها في مواقعهم الإلكترونية، وجرائدهم.. ؟؟؟ أليس الوزراء، والمسؤولون الكبار هم مصدر هذه المعلومات الأول..؟؟ فكيف لمعلم مفرغ، أو رئيس قسم تائه في أروقة وزارة معينة أن يحصل على معلومات مهمة عن تسيير القطاع..؟؟، ألا يقوم الوزراء بنشر غسيل بعضهم في إطار الصراع بينهم..؟؟.
رابعا: هل ستتحول محاولة تطبيق ضوابط المهنة، وأخلاقيات الوظيفة إلى كلام حق يراد به باطل، فالمصطلحات هنا فضفاضة، والمفاهيم غاية في العمومية، ولو تم تطبيقها بشكل شامل، وعادل، لتم طرد الوزير الأول، وبقية أعضاء الحكومة من مناصبهم، بتهمة تسريب السر المهني لوظائفهم، فالوزراء لديهم حاشية، ومقربون يبوحون لهم بأدق الأسرار، وهل تعلمون أن نتائج اجتماع مجلس الوزراء يتم تداولها في الصالونات قبل أيام من انعقاده، فمن سربها.. هل هم المعلمون، والأساتذة ؟؟؟!، كما أن أهم القرارات المصيرية للدولة، والمشاريع الوطنية الكبرى يتم نشر معلومات عنها قبل أشهر، وحتى سنوات من أتخاذها قرارات على أرض الواقع، فالمجتمع الموريتاني مجتمع منفتح بطبعه، وعصي على التكميم، لذلك فإن خطوات الحكومة في هذا الاتجاه بدت مفضوحة، وفاضحة للحكومة، وهي استجابة على ما يبدو لاستشارة من مستشار ينطلق من مبدأ فرعوني أصيل" ما أُريكم إلا ما أرى".. وعندما يكون المستشير غبيا، والمستشار جاهلا تحصل الكارثة.
نرجو ألا نكون قد أفشينا سرا من أسرار الدولة.